نبينا المفترى عليه

 

في كل مرحلة كنت اتخطاها من مراحل العمر - نجاحا وفشلا - كانت تتهاوى معها حزمة من الاحاديث والروايات التي كنا نجلد بها كولائد القطط العمياوات . العيش وسط التيار لا يسمح لي ولك بالتبصر ، تحتاج احيانا للصعود الى فوق التل ... ما ان يعتلي الاعواد ذو عمة حتى كنا نستسلم جميعا لحقنة الـ "بنج" التي لا تقاوم . يُرغبّك بالجنة عبر احاديث يبرأ منها حتى الرسول الكريم فيتمايل راسك سكرا بريح الجنة ، ويتناول النعيم المقيم ، فيسيل لعابك شوقا للكواعب الاتراب . ثم يقلب الصفحة الى نزاعة الشوى فيريك صنوف الويل و هِجمان البيت ، بدءا من اللحظة الكارثية التي تسلم فيها الروح الى بارئها . كان خطيبنا يتلذذ بتعذيبنا بسياط الاحاديث التي تنذر بالويل والثبور وعظائم الامور . حتى انني كنت ابيت الليل مسهدا خشية ان تكون اغفاءتي هي الاخيرة لو غفوت ، فاذا استسلمت لسطوة النوم " اجس يقظان اطرافي اعالجها مما تحرقت في نومي باتّون - الجواهري" . هكذا كنا نصدق كل شيء من كل احد ، حتى كان من الصعب علينا ان نقحم في قلوبنا حب الله ، اذ لم يُبق الرعبُ ندحة للهوى . وبلغ الانكسار ذروته عندما اعلن خطيبنا المفوه على المنبر : كل منكم لوارد عذاب القبر صالحكم وطالحكم بما في ذلك الشيخ المفيد فارتعدت فرائصنا ، لكنه - جزاه الله خير الجزاء - خفف عنا قليلا حين تواضع واختتم وعيده بالكشف عن انه وهو المرشد الموجه لن يفلت من عذاب القبر بالرغم من ترهل فضائله ، وتلى ذلك بشواهد شعرية احسست ان المغفور له سلفادور دالي استوحى منها رسوماته المتمردة . ومن منا كان يجرؤ في مناقشة السيد بالامر ، فكل رواية كان يسلق بها ادمغتنا المخدرة كانت بمثابة بحث علمي ، مدعومة بعناوين كتب "صمدانية" كنا نعجب كيف حفظها بهذه السلاسة مع اسماء مؤلفيها . لاحقا اصبحت استخدمها في موضعها او غير موضعها عندما افتعل اي حوار مع الاتراب المراهقين بعد كل مباراة كرة قدم يخسر فيها فريقي الذي لم يكن يجيد الا ضرب الحكم . والمساكين كانوا اكثر سذاجة مني عندما داخوا باسماء المصادر التي ذكرتها وانا لا اعرف عنها شيئا . وعندما ضيق بي قلت لهم ان هذه الامور تتطلب بحثا معمقا ولا يقوى على فهمها الا دارسو (البحث الخارج) ... نفشت ريشي الطاووسي ، وصمتَ الجميع مبهورين بعلمي الذي اوتيته من متابعتي للخطيب المفوه ... واحمد الله حمدا كثيرا ان احدا لم يسألني حينها ماهو البحث الخارج ولو سالني لذهب ريحي ونقض غزلي . منذ نحو خمسة عقود واذني يطرقها حديثان منسوبان للرسول "ص" لا استطيع هضمهما كونهما لا يتجانسان مع هذه الروح العالية التي كان يسبح فيها نبينا الكريم . حديث المبشرين "سواء سبعة او عشرة او سبعطعش " ، والاخر ، هو الحسنة او الاجر الواحد الذي يجنيه الفقيه عندما يخطىء . هذان الحديثان فتحا بوابة الجحيم امام وجوهنا اكثر من ما فعلته سفاهة "آيات شيطانية" فياما اريقت دماء بسبب ما قيل انها اجتهادات . الامام الخميني "رحمه الله" وهو رجل كسائر الرجال لا هو بنبي ولا وصي ، اوصى بان تزكيته لبعض اصحابه خلال حياته لا تعني بالضرورة الابقاء على تزكيتهم من بعد رحيله . الرجل حسمها بكل بساطة ولم يتحمل وزر احد الا نفسه . هل تريدون مني ان اقتنع بان النبي محمدا بكل ما اعطي من مدد سمائي وارضي وقّع على صكوك الجنة لنخبة من المسلمين ، والانكى ، ان ابا ذر الغفاري الذي وصفه بالاصدق لهجة لم ينل شرف الانضمام للقائمة . كيف ، وهو الذي حذر ابنته سيدة نساء العالمين وزوج المرتضى علي وام الحسنين "عليهم السلام" من مغبة التفريط بالعمل :" يا بنت محمد اعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئا ". هل سمعتم ؟ يخاطبها وكانها غريبة ... اني على بينة من امري بان تكذيب حديث صحيح ، اهون عند الله ونبيه من صناعة حديث تحول بمرور الايام الى ما يرقى للنص القرآني المقدس . الحب بان لا تفهم شيئا ( مظفر النواب)..