المالكي يصرخ.. "وا أحمداه"

 

 

 

 

 

 

أتخيل المواطن العراقي المسكين المحاصر بفوضى الأمن والبطالة وشرور الطائفيين، في البصرة أو في بغداد أو في الأنيار، وهو يتأمل صورة رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي، يخبره أن محرر البلاد من الفساد، ومنقذها من الخراب هو ابن الشعب البار "أحمد المالكي" ثم يفرك المواطن عينيه متسائلا: هل نحن نعيش في بلاد تسخر من مواطنيها وتستغفل عقولهم بشكل قاس إلى هذا الحد؟ هل صار العراقيون بحاجة إلى ابن رئيس مجلس الوزراء، كي يحررهم من المفسدين والخارجين على القانون؟ وما الأفضل للناس البقاء أسرى الميليشيات وعصابات الجريمة المنظمة، أم الاستعانة بالسوبرمان " أحمد المالكي "؟ يخبرنا المالكي بكل بساطة أن لا خلاص من دون اللجوء إلى " ولده " الذي اكتشفنا انه يمتلك قوة " الرجل الخارق "؟ ماذا كان يفضل العراقيون حقا: العدالة الاجتماعية والرفاهية والأمان، التي لايزال المالكي يستخدمها كأوراق من أجل الحصول على ولاية ثالثة، أم القتل المجاني والبطالة ونهب الثروات التي اكتشفنا صدفة انه لولا "أحمد المالكي" لتم بيع البلاد إلى أول مشتر؟ من أوصل المواطن المسكين إلى هذا الخيار، إما القتل على الهوية، وإما الخروج إلى تحية المالكي وأفراد عائلته الواحد بعد الآخر؟ ماذا حدث لـ" دولة القانون " أين غابت خطب النزاهة و الشراكة والقضاء المستقل؟ بماذا يفكر العراقي وهو يرى رئيس مجلس الوزراء يطلب منه أن يخرج ليهتف " بالروح بالدم نفديك"، ماذا سيقول في نفسه ولنفسه عندما يرى أن تضحيات العراقيين على مدى عقود كاملة انتهت إلى إقامة دولة " السوبرمان "
من فعل بنا كل هذا؟ من أوصلنا إلى هذه المسرحية الساذجة؟ من نقل الأمل بإقامة دولة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، إلى دولة مراهقي السياسة؟ من قادنا وسلمنا إلى هذا المصير البائس؟ قبل عشر سنوات كانت المعارضة العراقية، والتي كان المالكي جزءا منها تسخر من تصرفات "عدي" وتطالب العالم بالتدخل لإنقاذ العراقيين من التصرفات "الصبيانية" لأبناء صدام وأقاربه.. فما الذي حصل حتى نجد رئيس مجلس الوزراء يباهي القوم ببطولات ابنه.
يبدو الأمر سرياليا، ونوعا من مسرحية عبثية،.. لكن الأفظع أن: رئيس مجلس الوزراء يخبرنا ان القوات الأمنية بقواتها المليونية ومعداتها عجزت وتخاذلت عن إلقاء القبض على احد " المفسدين "، ولم ينقذها سوى صرخة المالكي " واأحمداه "..
نقرأ تاريخ العراق فنشعر بالحسرة على سنوات ضاعت وسنوات أخرى في طريقها إلى الضياع بسبب سياسيين اعتقدوا انهم ملكوا هذا الشعب وسجلوه طابو ضمن أملاكهم الخاصة.. رئيس الوزراء نوري السعيد الذي " سحل " في شوارع بغداد بتهمة الخيانة العظمى.. هذا " العميل " طرد ابنه من الجيش لأن الابن " الطيار " فاجأ أهالي بغداد ذات يوم بان عبر بطائرته من تحت جسر الأحرار. ويكتب المؤرخ عبد الرزاق الحسني ان المصور الشهير أرشاك التقط عددا من الصور لهذه المغامرة العجيبة، وقرر ان يفاجئ رئيس الوزراء عسى ان يحصل منه على مكافأة، وكانت النتيجة ان نوري السعيد حسب رواية الحسني انهال على ابنه بالصفعات والشتائم، وأصدر أمرا بطرده من الجيش، لأنه عرّض ممتلكات عامة ويقصد الطائرة إلى الخطر.. واعتبر ما قام به الابن "فعلا مشينا وأشبه باستهتار واستغلال لمكانته.
 النموذج الذي قدمه لنا المالكي قبل يومين، يعلمنا جيدا كيف تكون الديمقراطية، حين يصر المسؤول على تنصيب نفسه وصيا على حياة الناس، ولكي نؤسس لدولة مؤسسات لابد من مناقشة البدائية السياسية التي يتمسك بها المالكي ومن لف لفه ونسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية، فهناك فرق بين بناء دولة تحمي وتصون حقوق المواطن، وتسعى للسير بالوطن إلى آفاق التقدم والتحضر والازدهار، وبين دولة ترفع شعارات زائفة للديمقراطية توهم الناس بأنها -أي الديمقراطية- مجرد انتخابات وفضائيات وتظاهرات و "ولد خارق "
وإذا كنا جادين في الحديث عن مستقبل هذا البلد لابد من فضح خفافيش الديمقراطية، وإلا سنصبح مثل الرئيس الغابوني السابق عمر بانجو الذي أوصى قبل ان يموت، ان تسلم أمور البلاد إلى ابنه، لأنه الأعرف والأعلم بشؤون الشعب من بعده.