مسمارُ جُحا في المنطقة الخضراء

 

يُروى أن جُحا باع داره إلى شخصٍ وإشترط على المشتري أن لا يكون مسمارٌ على أحد حيطان الدار ضمن البيعة . لم يعتبر المشتري الشرط ذا أهمية ، فوافق . بعد أن إستقر المشتري في الدار أصبح جُحا ياتي الدار ، في كل يوم ، سائلاً عن المسمار أو فاحصاً لموقعه ، وقد يجلس تحته متفيّئاً بظله ويطول بقاؤه .... هكذا ...

رجلٌ عراقي جاء مع القوات الأمريكية الغازية في عام 2003 وإستقلّ بعقارات في المنطقة الخضراء ، وخدم قوات الإحتلال بموجب مقاولات لبناء السجون والمعتقلات ، وكذا توريد المواد الغذائية للمعتقلين . هذا المقاول بالإضافة إلى الستة عقارات التي إستقل بها يمتلك مئات السيارات غير المرخصة وأنواع الأسلحة منها كاتمة الصوت ومدين للحكومة ست مليارات من الدولارات لا زال ، وبعد عشر سنوات ، موجوداً في المنطقة الخضراء . عجيبٌ و سنوات مرّت على رحيل القوات الأمريكية وقبلها إستلام الحكومة العراقية لمهام مسؤولية الحكم بمغادرة الحاكم المدني الأمريكي ( بريمر ) ، لم تجرأ الحكومات التي تناوبت على الحكم ، وهي من كتلٍ مختلفة ، من تحديد موقع هذه الشخصية !!

يقول رئيس الوزراء أنه " مقاول " ولم يضف له أي وصف آخر سواء كان سياسياً ، كأن يكون رئيس حزب أو كتلة سياسية ، أو موقعاً إجتماعيا ،كأن يكون رئيس عشيرة ، أو وظيفياً ، كأن يكون مسؤولاً رسمياً في الدولة أو قائداً عسكرياً . إنه حسب قول رئيس الوزراء مجرّد " مقاول " ومع ذلك مدين للحكومة بست مليارات دولار ووزارة المالية رغم تعدد الوزراء الذين إستلموا المسؤولية فيها ، وتنوّع إنتماءاتهم الحزبية والكتلية لم يستطعوا إسترجاع الدين منه !!!! ورغم أن العديد من أوامر إلقاء القبض قد صدرت بحقه لم يتجرّأ أحد من تنفيذ ذلك حتى وصلت القضية إلى أسماع " أحمد " . وقد لفظ رئيس الوزراء إسم " أحمد " بدون إضافة أية كلمة تنسيب أو دلالة إلى وظيفة ، وكأن الإسم " أحمد " علمٌ : على الشعب العراقي أن يعتبره " معرفة " متميّز عن جميع الأحامد بين الشعب فأولئك نكراتٌ وهو الوحيد " معرفة " لأنه إبن المالكي . سمع أحمد بالموضوع ، وكأنه كان لا يدري ، وهو يعمل في مكتب أبيه رئيس الوزراء . وعند سماعه قال " إعطوني قوة وأذهب إليه أنا !! " وكما قال رئيس الوزراء " أعطَوه قوة ( ولم يبيّن الجهة التي أعطته القوة ) فذهب أحمد ودخل مكتب المقاول فوجد السيارات غير المرخصة والأسلحة وفيها أسلحة كاتمة الصوت والست مليارات المدين بها . " وعجبي كيف رأى أحمد الست مليارات المدين بها الرجل !!! . ولكن رئيس الوزراء لم يفصح ما إذا كان أحمد قد ألقى القبض على الرجل تنفيذاً للأمر الذي معه أم لا ، ولم يفصح عن مصير الرجل وهل سيقدم إلى القضاء ؟ وهل حكومة المالكي قادرة على محاكمته ، بدون خوف ، ما الدام الرجل " مشبّك " مع جهات سياسية وعسكرية من المستوى العالي ؟؟

مرّ أكثر من سبع سنوات ، والمالكي في الحكم ، و " المقاول ... كذا " موجود في المنطقة الخضراء بسكوت مطبق من قبله إن لم نقل تحت مباركة و رعاية حكومته ، فما الذي حصل الآن ، يا تُرى ، حتى يجعل المالكي يتحدّث عن الرجل في وسائل الإعلام ، وينتهز ذلك لرسم بطولات ينسبها إلى إبنه " أحمد " ؟ فهل نحن في مجرى بناءِ شخصية " عُديّ " ثانية ؟؟

ترى مَن ، غير قوات الإحتلال الأمريكي زرع هذا الرجل " المقاول " في المنطقة الخضراء ويسَّر له كل هذه الإمكانات ، ووفرله المنعة والحصانة رغم تغيّر المسؤولين في رئاسة السلطة الرسمية ؟؟ تُرى ما هي مقوّمات بقاء هذا " المقاول " والمعروف أن المقاولات لها أجلٌ تنتهي فيه . إن هذا الرجل هو في الحقيقة " مسمارُ جُحا " لا يملكه صاحب الدار لأنه خارج البيعة . إن هذا الرجل هو صمام الأمان للمحتل أن تكون " الحكومة " سائرة في الطريق المرسوم لها ، وهو مكلف بواجب ينفذه عند الطلب من الذي نصّبه ، ولذلك فهو مهابٌ من جميع الكتل السياسية .

لا أرى ، من الضرورة ، التعامل مع الموقف بعصبية " قد تُسمى وطنية أو قومية أو عزة نفس " أوالتفاعل معه بناءً على الأسلوب الذي طرحه رئيس الوزراء . فللسياسيين أغراضٌ مختلفة في طرح المواضيع ، وأسلوب طرحها وإختيار الزمان والمكان ، بالإضافة إلى نسبة ثقة الشعب بهذا السياسي أوذاك ، فلربّما يكون وجود مثل هذا الشخص المقاول " إيجابيّاً " للوضع العراقي ، وإلاّ لماذا كان موضوعه مستوراً عن الشعب لسنوات طوال من قبل حكومة المالكي . قد يكون الغرض من كُشف الموضوع من قبل المالكي شخصياً ، وفي هذا الوقت بالذات ، وسيلة ضغط لتقوية مركزه ، بعد أن تواردت أنباء عن تغيّر في السياسة الأمريكية تجاهه ورفض أوباما إستقباله لمرتين بينما العراق مقدمٌ على إنتخابات عامة ، مما قد يؤثر على موقعه ونتائج الإنتخابات .