الجنرال الى الابد !

 

تابعت باهتمام خاص مراسيم تشييع الجنرال "فو نغوين جياب "بطل الاستقلال و توحيد فيتنام بقيادته جيوش بلاده  للانتصار على الأمريكيين و الفرنسيين  في 1975، ليصبح بذلك ثاني أكثر شخصية محبوبة في البلاد بعد مؤسس الحزب الشيوعي "هو شي منه"، وهو ما عبرت عنه الجموع الألفية التي شاركت في وداع بطل التحريرمرددين " الجنرال الى الأبد".
و قرر النظام اعلان الحداد على الجنرال "جياب" كبطل قومي  متجاهلا انتقاداته للحزب في اخر ايام حياته ، رغم المعروف من طقوس سياسية وامنية تشترك فيها سلطة الأحزاب الشيوعية، ما يقدم دليلا جميلا على احترام الدول لرموزها والمحافظة على نسق من التواصل بين الماضي و الحاضر لعدم الوقوع في مفاجئات المسقبل.
تذكرت و انا اتابع هذه المراسيم مصير قادة العراق العسكريين، الذين لم يرتكبوا جريمة مهنية أو وطنية تبرر حبسهم في ظروف قاسية و محاكمتهم على تاريخ قدموا خلاله تضحية كبيرة من أجل سيادة العراق سواء في ثمانينيات القرن الماضي أو مواجهة الأحتلال، لذلك من المعيب محاكمتهم أو اعتقالهم  طيلة هذه السنوات و تقديم صورة سلبية عن احترام الدول لرموزها.
لا يوجد قائد عسكري عراقي خائن بالمعنى الدقيق للكلمة، كانوا ينفذون قرارات ليسوا مسؤولين عن نسب الخطأ و الصواب فيها، حيث ينفذ القائد ما تصدر اليه من تعليمات، أما اذا كان الهدف من كل ما جرى هو محاسبة حقبة تاريخية السواد عيون اايران أو غيرها، فتلك قضية تقبل الأجتهاد على كثير من الأشياء من بينها مثلا أن سياسيين يفضلون استقرار ايران على سيادة القرار العراقي، أو أن هناك من يضع مجاملات أيام المعارضة مهرا لطمس الحقائق،  وهناط أيضا من يكره الكفاءة كي يتواصل الخلل و بما يغطي على فشله الشخصي ، فيما الصحيح محاكمته لا تكريمه .
ويبدو ان هذه الأحتمالات تكمل بعضها الأخر، بدليل استمرار الخرق الأمني و غياب سلطة التنفيذ الدقيق باعتراف رئيس الوزراء نوري المالكي، ما يدفع الى المطالبة بكسر حاجز الصمت و رفض منطق اعتبار كل مؤسسات الماضي خارجة عن القانون أو فاقدة للآهلية الوطنية، فمثل هكذا تصورات فيها من الأفتراء على التاريخ و حقوق المواطنة ما هو كثير جدا، ما يستوجب اطلاق سراح قادة الميدان العسكري و الأعتذار منهم على الملأ لأنهم ظلموا بلا وجه حق، و أن السكوت على ذلك خيانة للتاريخ بكل معنى الكلمة.
من المعيب جدا استمرار ذبح العراقيين بدم بارد و كأن ما يجري مسالة طبيعية تحدث في كل دول العالم ، حسبما يتوهم مقرب من المالكي، و من المخجل حبس العراقيين في بيوتهم قبيل عيد الأضحى المبارك و محاصرتهم بأجواء خوف و قلق، لأن مسؤولين أمنيين لا يعرفون القراءة و الكتابة في ميدان هو الأخطر في مفاصل الادارة العراقية، قيادات لا تميز بين الأوامر العسكرية و التحية الشخصية لذلك ضيعت الخيط و العصفور و انتحر المتبقي من الأمل، فالعبرة ليست في بقاء المسؤول في منصبة بل في قدرته على تحمل المسؤولية و مواجهة الشعب و القضاء.
لا يجوز انتظار الفرج من ايران أو مدغشقر و النيبال، فالقضية تتعلق بكرامة شعب و سيادة وطن لذلك حان وقت تكليف أصحاب الكفاءة العسكرية و الأمنية بمسؤولية الدفاع عن استقلال العراق،  و الأبتعاد عن عقلية المؤامرة و الانقلابات و التخوين و غيرها من مكائد ينصبها و يسوقها بعضهم للبقاء في هرم مسؤولية عرجاء!!
كم من فريق و لواء و عميد وعقيد و ضباط و مراتب تفقهوا على حب العراق و شعبه، لم تتسلل الخيانة الى نفوسهم ولم تتربى عقولهم على الطائفية أو العمالة و شراء المنصب و بيعه في وقت واحد، بينما يأخذ أمكنتهم أشخاص غير مؤهلين للمنصب و ينظرون الى الكرسي من أسفل!!  
وتؤكد كل الوقائع أن الحكومة فشلت في المحافظة على دم العراقيين و صيانة القرار الوطني بجوانبه السياسية و الأمنية والاقتصادية،  فعلى ماذا تراهن في تسويف الحقيقة؟ ولماذا لا يراجع المالكي الملفات الشخصية جيدا و يختار بين الكفوء و شبيهه؟ انها مسؤولية شعب يجب أن يرفض اليوم قبل الغد فكرة تحويله الى مشروع قتل دائم!! 
عيد مبارك على شعب العراق.