السياسي...

 

بيني وبين أخي وصديقي العزيز علي الغريفي رئيس تحرير المواطن نزاع على الحق، او نزاعات صديقة، ولكنها عكس النيران الصديقة، وبما إنني في فلسفة الحق أتبنى المبدأ القانوني الذي صاغه الامام الفيلسوف علي بن ابي طالب (الحق لا يبطله شيء) فاني لا أستطيع ان أبطل حقه وأصر عليه ان لا يبطل حقي .

حق صديقي علي الغريفي هو خشيته من الضغوط التي تمارس عليه من جهات متعددة اثر نشر كل مقال لي أتناول فيه الشؤون العراقية، وأنا احترم حقه، أما حقي فهو حرية تعبيري.

هو يؤيدني أحيانا ويتمنى ان أقول : ان الحسين لم يقتل وإنما مات في حادث عرضي، والسبب هو حتى لا يغضب مني ومنه احد. وانا أريد ان أقول الحقيقة التاريخية وهي ان يزيدا قد قتل الحسين.

الموروث العراقي يعكس التاريخ ومعاناة العراقيين. ومن هذا الموروث اقتبس الطرفة الشائعة من ان قارئا حسينيا دعي لقراءة واقعة ألطف في منطقة ليس فيها تقاليد قراءة هذه الواقعة بشكلها المأساوي الذي يقدمه القراء الحسينيون عادة. فحذره أصحابه وطلبوا منه عدم ذكر ان يزيد بن معاوية قد قتل الحسين. فاستغرب ذلك واستنكره. وبعد ان ألحوا عليه في الطلب، سألهم: ولكن ماذا أقول..؟ هل أقول ان الحسين (انّتل) بالكهرباء.

هذه الطرفة تعكس واقعنا اليوم مع الأسف. وهو واقع ليس طائفيا كما يدعي البعض، وإنما هو واقع سياسي، والطوائف هي نتاج الخلافات السياسية بلا منازع.

الأسبوع الماضي تعرض مقالي الى أزمة. طبعا حرية التعبير لا تخلق أزمة وإنما انتهاك حرية التعبير هو الذي يخلق أزمة. تم حذف مقطع يتعرض الى معركة هامشية بين نائبين يمثلان كتلتين نيابيتين مختلفتين، في وقت تتفجر فيه السيارات وتخطف أرواح العراقيين ويتدهور الوضع النفسي للعراقيين الى حد خطير بحيث يفكر ثلاثون مليون عراقي بالهجرة الى أي كوكب آخر خارج العراق.

احتجاجي على هذا الحذف ما يزال قائما، فأنا لا أتنازل عن حرية تعبيري التي دفعت لها ثمنا باهظا منذ نهاية الستينات حتى اليوم .

المادة الثامنة والثلاثون من الدستور المقر من قبل الشعب العراقي في مثل هذا الشهر من عام ٢٠٠٥ يجيز لي التمتع بحرية التعبير القانونية ويضمن لي نقد الإجراءات السياسية والسياسيين والشخصيات العامة. فالدستور ضد المقدس السياسي. وهو لا يقدس سياسيا. ووجود الدستور يعني، فيما يعنيه، ان ليس هناك سياسيا معصوما. ولمن نسي مضمون المادة أعيد نشرها هنا باسمي، وباسم اللجنة الدولية لدعم الديمقراطية في العراق التي اشغل موقع الرئاسة فيها. وباسمها التقينا بالسيد نوري المالكي رئيس الوزراء في الرابع والعشرين من شهر كانون الثاني الماضي. وأتفق السيد المالكي مع موقفنا بدعم الدستور وحمايته وضرورة حث جميع الأطراف السياسية على الالتزام ببنوده وفقراته ومواده وأبوابه. وسأكتب المادة بحروف كبيرة جدا لان من الضروري رؤيتها بارزة وواضحة:

المادة « 38»

تكفل الدولة بما لا يخل بالنظام العام والآداب:

أولا : حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل

ثانيا: حرية الصحافة والطباعة والإعلام والنشر

ثالثا: حرية الاجتماع والتظاهر السلمي وتنظم بقانون

ما الذي فعلته وأفعله دائما..؟

لا شيء سوى ممارسة حقي الذي يكفله الدستور ويدعمه رئيس الوزراء وكثير من السياسيين والمثقفين الذين تضامنوا معي. وسأورد هنا فقرات من رسائلهم دون ذكر الأسماء، استجابة لحق رئيس التحرير بعدم ذكر الأسماء عدا اسم الأخ العزيز رئيس التحرير، او لأنها رسائل شخصية لا يرغب أصحابها بذكر أسمائهم:

الرسالة الأولى

« الأخ العزيز الدكتور نبيل ياسين

تحية ود واحترام

مع شكري ووافر تقديري لما تكتبه من مقالات ذات أهمية ولما تبذله من جهد في طرح رؤيتك القيمة الا انك في كثير من الأحيان تبتعد عن سياسة الجريدة وتدخل في تفاصيل لا ناقة لنا فيها ولا جمل وخاصة ذكرك للأسماء والمساس بها بشكل علني وهذا مالا نرتضيه وليس لدي استعداد لتحمل وزره وقد تحدثنا أكثر من مرة في ذلك فإذا كانت المواطن تعطي المساحة الواسعة من الحرية فإنها تحترم في المقابل حيثيات الآخرين على مختلف مشاربهم وانتماءاتهم

سيدي الفاضل رجائي منك في المقالات القادمة عدم ذكر أي اسم او الإساءة من قريب او بعيد من على صفحات الجريدة فقد تعبت وأتعبتني وسببت لي أكثر من إحراج ومساءلة ...»دمت أخا»

سأختلف مع رئيس التحرير في ان كل جريدة في العالم لها ناقة وجمل في كل التفاصيل التي تذكرها المقالات او الاخبار فهذه هي وظيفة الصحافة، اما حيثيات الآخرين فهي مباحة لأنهم سياسيون وأشخاص عامون يحكمون بلادا فيه حيثيات أكثر من ثلاثين مليون مواطن ولا يعتزلون في كهوف. اما ذكري للأسماء فهي جزء من واقع يرفض طرفة ان الحسين لم يقتل. والأخ رئيس التحرير، مثل المعارضة العراقية السابقة تسمي النقد مساسا وإساءة وانا ارفض تسمية النقد مساسا وإساءة واسميه نقدا وواجبا وطنيا ومهنية صحفية ووظيفة للكتابة.

اما إنني سببت له أكثر من إحراج فنعم، ولكن اكثر من مساءلة فهذا غير مقبول لان لا احد يملك القانون لمساءلة جريدة تنشر لكاتب يتعرض لواقع وسلبيات يعاني منها الناس.

الخطأ ليس في ما اكتب ولكن الخطأ في أسلوب ممارسة كثير من السياسيين لنفوذهم فوق القانون وفوق الدستور. وإذا كنا نختار حكومتنا وبرلماننا بشكل ديمقراطي فعلى أعضاء هذه الحكومة واعضاء البرلمان احترام الدستور الذي أعطى للمواطن العراقي حق انتخاب من يريد.

في عام ١٩٩٩ وأثناء اجتماع لمسؤولي المعارضة العراقية السابقة مع السفير الأمريكي الخاص للمعارضة العراقية ريتشاردوني اشتكى احد رؤساء التجمعات الديمقراطية للسفير مني، وطلب منه حظر نشر مقالاتي في جريدة الحياة اللندنية . فما كان من السفير الا الإعلان عن عجزه القيام بذلك قائلا «ان الكاتب يعيش ويكتب في بلد ديمقراطي.

هذا الشخص كان من أبرز واضعي الدستور العراقي وربما هو الذي كتب المادة ٣٨ من دستورنا ولن اذكر اسمه استجابة لطلب رئيس التحرير.

هذا التناقض بين النص والواقع ليس جديدا انه احد ابرز سمات التاريخ.

طبعا اختلف كثيرا مع ما ورد في رسالة الأخ رئيس التحرير. واعتقد إننا بحاجة ماسة الى مراجعة ماذا تعني الصحافة وماذا تعني الكتابة وماذا تعني الحريات المدنية وماذا تعني المسؤولية المهنية ؟ واعرف ان علي الغريفي يعاني من ضغوط وربما تهديدات لا اعرف مصدرها الشخصي، ولكن بالتأكيد اعرف الفكر السياسي والعقائدي الذي يكمن وراءها ووراء مواقفها من الحريات والاختلاف والمهنة الصحفية ووظيفة الكتابة.

حين كان عمري ثمانية عشر عاما تعرضت لقمع حريتي في الكتابة، ومنذ ذلك التاريخ ادفع ثمن حريتي التي لا أتنازل عنها.. فانا لا أشارك في طمس الحقائق حتى لو كانت معروفة من الجميع مثل قصة ثياب الإمبراطور، وهي قصة تنطبق علينا مع الأسف فالإمبراطور استعرض عاريا في الشارع ولم يجرؤ احد على القول ان ليس هناك ثيابا على الامبراطور سوى طفل بريء قال : ولكن الامبراطور عار ولا يلبس ثيابا.

أنا مثل ذلك الطفل، بريء ولا املك ضغينة سوى إنني أريد ان أقول الحقيقة التي يمكن ان يراها الناس، خاصة في عصر العولمة ووسائل التواصل الاجتماعي، فوظيفة الكتابة هي الكشف ،

يقول السيد المسيح ماذا يفيد إذا خسرت نفسك وربحت العالم؟

كنت أتمنى أن لا يدخل اي حزب او شخص في النظام الجديد طرفا في تهديد حرية تعبير كاتب ومثقف كان شريكا أصيلا في النضال مع كل الأحزاب والشخصيات والاتجاهات الفكرية، ضد نظام صدام وديكتاتوريته وان لا يتورط في انتهاكات لحقوق الإنسان.

أن الكتابة مثل السيرك الخطر والكاتب مثل لاعب السيرك الذي يمشي على الحبل يدهش الجمهور ويحبس أنفاسه ويمتعه ولكنه يمكن ان يسقط من الحبل في أية لحظة ويموت. أنها مغامرة، ومن لا يعرف إنها مغامرة لا يستطيع ان يجيدها.

أنا أمارس حقاً دستوريا مضمونا بالمادة ٣٨ ضمانا كاملا وهذا الحق الدستوري الذي لم يكن متوفرا في زمن الدكتاتورية والطغيان ولذلك اشعر كم هو ثمين هذا الحق الذي اقره لنا الدستور وكم من الضروري الدفاع عن هذا الحق.

يبدو ان الكفر أصبح ليس الشرك بالله وإنما نقد اي سياسي وبذلك عدنا من جديد الى ما اسميه التاريخ المحرم

الرسالة الثانية من وزير في الحكومة السابقة:

(عزيزي الأستاذ نبيل)

لقد كنت في بغداد مؤخراً وقرأت مقالكم الرائع الذي نشر في موقع جريدة المواطن.

نحن بحاجة ملحة لتحديث كتاب لمحات اجتماعية للعلامة علي الوردي وجنابكم أهلٌ لهذه المهمة أكثر من أي شخص أخر. ولقد لمست من مقالكم بأنكم سائرين في هذا البحث وأتمنى أن يكمل كتابكم في المستقبل القريب.)

الرسالة الثالثة من أكاديمي عراقي:

ألأخ الدكتور إبراهيم بحر العلوم المحترم:

تحياتي

مقالات ألأخ نبيل ياسين مقالات متميزة وأود ان اعرض عليه المقترح أدناه وبيان وجهة نظره .

أليس من المفروض أن يرفع شعار للعراقيين جميعا وألأنتخابات على ألأبواب يقرأ بالمعنى أدناه:

أنا عراقي, أنا أحمل جنسية واحدة وغير مزدوجة, أنا أحمل جنسيتي العراقية فقط وولائي فقط لوطني العراق الحبيب

أنا مسلم, أنا مسيحي, أنا صابئي أنا يزيدي, أنا يهودي, أنا أحوي كافة ألأديان العراقية

قوميتي عربي, كردي, تركماني, أشوري, كلداني وكافة القوميات ألأخرى على أرض الوطن

أنا ملتزم باقتصاد الوطن وإنعاش ألشعب ورفع مستواه المعيشي والصحي والعمل على القضاء على البطالة

أنا من يدعو الى وضع الخطة ألاقتصادية التنموية السنوية وخطة الخمس سنوات والعشر سنوات

أنا من يطلب المحاسبة في ألإخفاق واختيار ألأكفاء وليس الولاء لأي حزب أو فئة عنصرية أو طائفية

أنا أبن الشعب وانتخابي هو أن أكون خادما للشعب

أنا من يؤمن بأن رواتب وتقاعد المسؤولين غير شرعية ويجب أن ترفع ويعوض عنها بمكافآت متواضعة تتناسب مع الجهد وألأنتاج والتقدم الفعلي

وبسقف يتناسب مع معدل الدخل القومي لأبناء الشعب

الرسالة الرابعة من مسؤول حكومي كبير سابق

أخي أبو يمام ( يقصد نبيل ياسين وكنيته أبو يمام) «سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار»

كلامك صادر من قلب مكلوم بحيث طفح السيل.

أحس وجع قلبك من خلال كلماتك.

ساعدك الله.

لقد عملت واستثمرت كل حياتك من اجل العراق الجديد.

وهذا العراق لا يعطيك عشر معشار ما أعطيته.

فصبر جميل والله المستعان على ما يصفون.

ولكن علينا مواصلة النضال من اجل إصلاح المسيرة التي جلبناها الى العراق في ٢٠٠٣

علينا ان لا نستسلم.

أليس هذا تعبيرا عن حاجة العراق لمثقفيه وكتابه ليكونوا سلطة حق ويكونوا تعبيرا عن مطالب الشعب والفئات المدنية مقابل الفئات السياسية؟ أليس من المهم ان تكون هناك سلطة ثقافية تمثل سلطة المجتمع المدني بموازاة السلطة السياسية، وهو الأمر الطبيعي والدستوري في الدول الديمقراطية؟ اعتز بهذه الرسائل التي تؤكد الحاجة الى سلطة المثقف التي كنت أدعو إليها مقابل السلطة السياسية وهو الأمر الذي جعل صدام شخصيا يأمر بقمعي عام ١٩٧٦ ومنعي من الكتابة والسفر والنشر والعمل الصحفي

الرسالة الخامسة من مواطنة عراقية لا اذكر اسمها والأسماء الواردة في رسالتها



قرأت الكثير عن الذين ناضلوا وعارضوا النظام السابق...لكن بمرور السنين العشر الدامية التي مرت ونحن ندور في حلقه مفرغة
ووجدت واكتشفت ان الكثير ممن كان مناضلا ضد الدكتاتورية او الظلم مجرد طامعين للوصول لمكاسب كالسلطة والمال
ولكن عندما أقرا لكم ولعدد معين من الكتاب والمفكرين الأحرار الذين تم إزاحتهم او منعوا من بناء العراق..أجد نفسي أمام نفس الموقف الذي

حل بوالدي وأخي الشهيد الذي اغتاله البعث العفلقي
فلا تعجب يا سمو المفكر الفاضل ان يحذفوا مقطعا او مقالة، فربما هناك من يسعى لحذفك من الوجود وتقيد الجريمة ضد مجهول.)
ومثلما للسياسي جمهوره ومؤيدوه فان للمثقف جمهوره ومؤيديه. المثقف يكتب ويناقش ويختلف ولكن يسعى بعض السياسيين مع الأسف الى التهديد او الوعيد تعبيرا عن عجز في الجدال. وكنت أتمنى فعلا ان نفتح حوارا بين الجميع، خاصة بين المثقف والسياسي لان مثل هذا الحوار ، حتى في الظروف المتأزمة السائدة، من شأنه ان يفتح الأزمة أمام الوضوح. أخيرا ، أعطي رئيس التحرير حق نشر هذه المقالة وحق منعها من النشر، اما أنا فأقول: ان الحسين مات شهيدا في كربلاء وهو يناضل من اجل حريته ولن اطمس هذه الحقيقة.