العيد يقترب منك، وانت تقف محولّا كأي احمق، تحاول ان تفسر غياب الفرح في قلبك، تتذكر تلك الأعياد البعيدة، في الليل يدخلونك الى الحمام و(يجلفوك) جلفة زينة، لترتدي بيجامة عرفات ثم تجلس قرب (صوبة) علاء الدين، ترتشف الدارسين وتستمع الى الاغنية الخالدة (الليلة عيد) بصوت ام كلثوم، تتشوق مثل طائر حبيس الى نهار الغد، تنتظرك المراجيح بكل ما فيها من شغب وعفوية، كذلك بين الحين والآخر تنظر الى ثيابك الجديدة، تسمع صوت امك مهددا "لا تلبس الملابس قبل العيد، خاف يخـ... عليك العيد". وتسأل نفسك ببلادة، كيف يمكن للعيد ان يتغوط على الانسان، العيد فرح والوان وموسيقى ومراجيح.
تنهي ليلة العيد بأرق وانت تحلم بالغد، سينقّدك الحجي والاخوة العيدية، تنطلق مع اصحابك الى المراجيح، هناك ستركب ديلاب هواء من خشب، يحركة شاب بسواعد قوية، او تركب على ارجيحة بدائية مصنوعة من حبل ووسادة تجلس عليها ويحركك الهواء جيئة وذهابا وصراخك وصوت ضحكك يملأ الكون، قد (تكري) حصان او حمار او دراجة هوائية، تشتري الببسي وتأكل لفة الفلافل على عجل، تسيل العنبة على القميص فيلتصق لون الكركم الى الابد، لتذهب الى البيت في اخر الشغب وتنام، تنتظر غدا، ياخذك اخوك (علي) الى السينما، يجب ان تشاهد بطل الفلم الذي لا ينفذ عتاده من مسدسه فيقتل كل اعدائه وهو حي لا يموت، في النهاية يقبّل البطل حبيبته الفارعة الطول والخارقة الجمال وانت تمتص شفتيك على شبق مبكر، لترجع وتقص الفلم على اصحابك مشهدا فمشهد، لقطة فلقطة، دون ان تدري انك تدرب نفسك على كتابة السيناريو وانت طفل صغير، لكنك لم تكن تدري ان الحروب ستأتي ومعها، بل ومثلها الحصارات، لتخطف منك كل أحلامك وتتركك مهملا على قارعة الدنيا ترقب ظلك يسير الى المجهول، بقلب متعب وضغط وسكر مثل أي عراقي تائه.
العيد آت لا ريب فيه، بنسختيه السنية والشيعية – لم نتفق على عيد فكيف نتفق على وطن؟- تنظر الى الأطفال اليوم، لديهم كل شيء ولا شيء، لديهم الانترنت والستلايت والبلي ستيشن والاي باد، لديهم المتنزهات والمولات، لديهم الموطا التركية والحلويات السويسرية لكن ينقصهم الحلم، الحلم بان يصبحوا ابطال فلم، لا يموتون، وتعشقهم الحسناوات حد البكاء، ويصفق لهم الجمهور في نهاية العرض (الحياة).
نحن يا سادتي متنا، كنّا ابطال فلم ضعفاء، يبقى الامل في جيل التكنولوجيا، كل عام وانتم بخير وسلامة يا وطن.