لم يبق لنا في العراق سوى أن نرتعش ونحن نشاهد الأفلام المرعبة آخر الليل، لكأنما مشاهد الجثث وتفحمها في الشوارع لم تعد تكفينا فرحنا نشتري الخوف"مشتره" لنتمدد بمحض إرادتنا في الظلمة متابعين رعب هوليود المحكم. أعني هذا العمل الجميل الذي غرقت فيه الليلة فخيّل لي في جنباته عراقٌ مصغر ومخيف، حيث الرعب يدور كاسطوانة والكابوس يتكرر كأيام خوف متصلة.
إليكم حكاية الفيلم ومنطقه: امرأة حسناء تجد نفسها مع بعض الأصدقاء في سفينة وسط اليم، تدور بها سبحة الرعب فتجد أن لها نسخة أخرى شريرة تقتل جميع من في السفينة، وإذ يصل لها الدور تصارعها وتتغلب عليها وتلقي بها في المياه، ولكن قبل أن تسقط الأخيرة"المجرمة"، توصي نسختها الطيبة أن تقتل الجميع كي يأتي قارب النجاة الصغير الذي يلوح في عرض البحر كشبح، فالقارب وحده كفيلٌ بإيصالها لابنها، وهذا الأخير لا نعرف ما حكايته ولماذا فقدته الأم وأين.
المهم أنه بعد الخلاص من نسختها الشيطانية، تعود الحسناء إلى السفينة وهي مرعوبة. ولكن ما هي إلا هنيهة حتى يتكرر الكابوس ذاته؛ تظهر الشريرة وتقتل الجميع بطريقة مختلفة، وكما جرى في المرة السابقة، تصطرع البطلة معها وتلقي بها في البحر. ثم قبل أن تختفي الأخيرة توصي الأولى أن تقتل رفاقها وألا تثق بأي أحد، فمجيء قارب النجاة مرتبط بالخلاص من الآخرين، وإن لم يحدث ذلك، يكون من المستحيل استرداد الابن. وهكذا يتكرر السيناريو مراتٍ عدة إلى أن نتعرف في الأخير على جلية الأمر فنكتشف أن تلك المرأة كانت، قبل صعود السفينة، قد تسببت في مقتل ابنها، وأنها كانت تقسو عليه وتضربه وتخيفه. لكأنَّ الكابوس المزعج الذي نراه ليس سوى رحلة رمزية معذبة تجري في دواخل المرأة، الذات الخاطئة تجهد للتطهر من شرورها ولكن دون جدوى. ففي المحصلة الأخيرة، ينتهي الفيلم من حيث يبتدأ ويبتدأ من حيث ينتهي؛ المرأة المثقلة بالخطايا تصعد سفينة ما وتحاول استقدام قارب الإنقاذ كي تسترد ضحيتها وتعتذر إليها، ومن أجل ذلك عليها أن تقتل وتقتل وتقتل.
الحقُّ أنني لم أخف من أجواء الفيلم رغم أنني أرهفت سمعي متخيلا ذاتي الشريرة وهي تخرجُ من بين ملابسي وترتقي السلم ثم تدخل الغرف العلوية وتبدأ بقتل عائلتي. لم أخف، في الواقع، كما خفت وأنا أشاهد، في مراهقتي فيلم"صرخة من القبور"، لكنني اندمجت مع عمل الليلة المصنوع بحرفيةٍ عالية وسرحت مفكرا أن ما يجري في العراق ربما شبيهٌ بما يجري في السفينة، نعم، لقد خطر في ذهني الأسود أننا، في هذا البلد، جميعا خطاة ومجرمون، وأن ضحايانا الذين قسونا عليهم وتسببنا بقتلهم يقبعون في مكان بعيد عن سفينتنا، وإن استعادتهم والاعتذار منهم لن يتحققا دون عثورنا، وسط بحر الآثام، على قارب النجاة الذي يقوده أوتو نبشتم، وهذا القارب لن يلوح لأيّ منا إلا بقتل جميع رفاقه. وبعد أن نتمَّ هذا القتلٍ ونستكمل المهمة، يتوجّبُ علينا التخلص من ذواتنا القاتلة، المخاتلة، وبما أن هذه الذوات لا تموت ولا يمكن أن تموت، كونها علة الكابوس ومنتهاه، إذن فسيظل الجحيمُ دائرا بنا ومعنا، سنبقى نقتتل ويصارع بعضنا الآخر للعثور على حبل النجاة، حتى إذا ما أوشكت طائفة منّا على تحقيق ذلك، انبعثت ذاتها الشريرة، فاستيقظ رفاق السفينة واقتتلوا لتتكرر لعبة الرعب التي نعيشها.
هل أخفتكم يا ترى؟ لا ضير، فأنا نفسي ارتعبت وأنا أتخيّل ذلك، أي أن يكون ما يجري في العراق كابوسٌ يدور بنا مثل اسطوانة منذ فجر الخليقة، أننا نقتتل في مركبٍ وسط البحر منتظرين حبل النجاة، أن ذواتنا الشريرة تأبى الاختفاء، ارتعبت وتلفتّ حولي وأنا أدعو الله أن يتوقف الفيلم لأنعم بهدوء البال.
هل سيتوقف الفيلم؟
لا أدري!