الحاكم بأمر أمريكا المالكي الثاني!

 

اعتاد ابناء الحكام العرب على لعب دور كبير في الحياة السياسية والاقتصادية في تلك البلدان حيث الانظمة العائلية الوراثية هي الحاكمة وكمثال على ذلك انظمة دول الخليج العربية التي يتوارث الحكم فيها ابناء العائلات الحاكمة وفقا لما نص عليه دستور تلك الدول.

وكان ذات النظام معمولا به في الانظمة الملكية التي كانت تحكم عددا آخر من البلدان العربية كالعراق ومصر وليبيا واليمن وسوريا.وقد اندلعت (ثورات) في تلك البلدان رفعت شعار اسقاط الانظمة المالكية الوراثية واقامة انظمة جمهورية الشعب فيها مصدر السلطات وليس العائلة الحاكمة.

الا ان تلك الانظمة التي رفعت شعار حكم الجماهير سرعان ماتحولت الى انظمة ملكية غير معلنة يتقاسم فيها الابناء النفوذ ويعدهم الآباء لتولي مقاليد الحكم من بعدهم. والأمثلة على ذلك متعددة وكثيرة ومنها الرئيس مبارك وولديه والقذافي وابنائه وحافظ الاسد وعلي عبدالله صالح وعدي صدام حسين.

وكان أسوأ هؤلاء على الاطلاق هو الأخير الذي عاث فسادا في ارض العراق تحت ظل حكم ابيه ولم يترك موبقة ولا جريمة لم يرتكبها وكانت لديه سلطات واسعة لاتحد منها سوى سلطات أبيه.فيما لعب الآخرون دورا كبيرا في الحياة السياسية والاقتصادية في بلدانهم وكانوا يمارسون دور الوريث للحكم من بعد آبائهم بل تولى بعضهم الحكم .

وتعكس هذه السيرة مدى فشل هؤلاء الحكام في تطبيق الشعارات التي رفعوها عند بدء انقلاباتهم العسكرية فهم يبدأون ثوارا ثم ينتهي بهم المطاف دكتاتوريون واما جمهورياتهم فتصبح ملكية ولكن بشكل غير معلن. ومع بدء رياح التغيير الديمقراطي في المنطقة والتي كان باكورتها العراق الذي فرضت عليه امريكا وبقوة الدبابات نظاما ديمقراطيا معلنة ولادة شرق اوسط جديد كان من المؤمل ان تنتهي ظاهرة ابناء الحكام المتسلطين.

الا انه وبعد مرور اكثر من عشرة اعوام على ولادة التجربة الديمقراطية الحديثة في العراق يبدو ان الديمقراطية قد فشلت في القضاء على هذه الظاهرة المتأصلة في نفوس كل من يحكم في هذه المنطقة.
فالعراق الذي له السبق اليوم في العديد من المضامير في ظل قيادة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي واولها تربعه على عرش الفساد العالمي وكونه من اسوأ اماكن الدنيا للعيش وان جوازات سفرها الاسوأ في العالم، فقد حاز اليوم على لقب اول نظام ديمقراطي في المنطقة يلعب فيه ابن رئيس الوزراء دورا سياسيا وامنيا كبيرا .

وبرغم ان دوره لم يكن خافيا على المطلعين على خفايا الامور في المنطقة الخضراء الا ان رئيس الوزراء آثر أن يعلن عن ذلك وامام الملأ بنفسه ، عندما كشف عن قيام ابنه باعتقال شخصية لها نفوذ في المنطقة الخضراء لم يتجرأ قادة امنيون على اعتقالها . وهذا الاعلان يكشف عن عودة ظاهرة حكم الابناء مرة اخرى وبشكل رسمي الى العراق الجديد.

وفي ذلك دليل قاطع على سقم التجربة الديمقراطية في العراق. فالمعيار الاساسي لتولي المناصب الادارية والامنية في الانظمة الديمقراطية هو الكفاءة والنزاهة لا المحسوبية والمنسوبية .وبرغم شيوع ظاهرة تولي ابناء المسؤولين للمناصب واستحواذهم على الوظائف في السفارات العراقية وفي البعثات الدراسية وامتلاكهم للعديد من الشركات التجارية التي تدير اعمال ابائهم المسؤولين ،الا ان اعلان رئيس الوزراء العراقي الاخير يشكل نقطة تحول كبرى في المسيرة الديمقراطية في العراق.

فهو يعني اولا اضفاء الشرعية على هذه الظاهرة ولن يتجرأ احد بعد اليوم على مسائلة اي مسؤول عراقي عن اي دور لابنه في الحياة السياسية والاقتصادية من ناحية ومن ناحية اخرى فان هذا الاعلان يكشف عن نوايا نوري المالكي في تأهيل ابنه للعب دور في الحياة السياسية العراقية. فهو يحاول تسويق ابنه عبر اظهار مدى شجاعته وحزمه.

فالمالكي اراد وفي هذا الوقت بالذات وفي اجواء التحضير للانتخابات البرلمانية اراد تسويق ابنه للبرلمان وهو الامر الذي سيفعله في الانتخابات القادمة . فليس المطلوب الكفاءة او النزاهة لتولي اي منصب في العراق الجديد والا فماهي مميزات احمد المالكي لكي يتمتع بهذا الدور الكبير الذي يلعبه اليوم في المنطقة الخضراء؟ وهل تختلف مؤهلاته عن مؤهلات عدي ام انها واحدة وهي كونه ابن الحاكم؟

بل ماهي مؤهلات ابيه الذي اثبت فشلا ذريعا في قيادة بلاد غنية لكنها مازالت تعيش التخلف في عهده وعلى مختلف الصعد ؟ بلاد لاعلم ولا صناعة ولا خدمات ولا امان فيها ،بلاد اصبحت اضحوكة للامم في هذا العصر الذي تحث فيه الامم الخطى نحو التطور والرقي . بلاد لا يأمن المواطن فيها الاحتفال في العيد ولا يأمن الخروج للتسوق، بلاد اضحت لاقيمة لها وهل للاوطان من قيمة مع غياب الأمان؟

لم يكن كشف المالكي عن قدرات ولده الخارقة وهو الذي لايحمل اي شهادة دراسية لم يكن غلطة شاطر ولا كبوة فارس كما ادعى البعض بل هو اعلان مقصود وتهيئة لتولي ابنه الجاهل والمتخلف مسؤوليات أكبر من حجمه بكثير وهو أهل لها . فليس المطلوب اليوم من اي مسؤول حكومي النجاح في عمله فكلهم فاشلون ولكن المطلوب هو ترسيخ سلطات المالكي وعصابته ونهب اكبر قدر ممكن من الخزينة العراقية وهم بارعون في ذلك.

ان هذا التسويق يدق المسمار الاخير في نعش الديمقراطية العراقية الحديثة ويؤسس لنظام حكم دكتاتوري عائلي مطلق من سلالة المالكي وسنشهد ولادة الحاكم بأمر أمريكا المالكي الأول والمالكي الثاني وهلم جرا وفي الختام رحم الله من يقرأ الفاتحة على روح المرحومة ديمقراطية بنت العم سام!