لماذا لا تحرك ملايين الجمار ساكنا للشيطان |
رشق المسلمون خلال الايام الماضية - مثل كل عام - رمز الشيطان بأكثر من مئة مليون حصاة بحجم حبة البندق ، ضمن مناسك الحج ، الفريضة الوحيدة التي تجتمع فيها امة محمد "ص" في مكان واحد شاءت ام ابت . و ثمة اجماع شبه مطلق على ان رمي الجمار "جمع جمرة - الحصاة " واجب لا يجوز تعمد عدم الاتيان به . ولا يخفى ان اول من رمى الشيطان بالجمار هو نبي الله ابراهيم "عليه السلام " في طريقه الى ذبح ولده اسماعيل ، وسار على نهجه حفيده خاتم الانبياء "ص" . ومن أسف القول ان هذا المنسك العظيم يفقد ، مع تتابع السنين ، رمزيته ودلالته الانسانية الكبرى . الكثير منا شاهد ، ويشاهد سنويا الحماس الذي يبديه مئات الوف المسلمين وهم يرشقون رمز الشيطان في ثلاث عقبات ، الكبرى والوسطى والصغرى ، حتى ان البعض وجد ان يده غير كافية لتوجيه صفعة صلبوخية على خد الشيطان فلجأ الى المقلاع ليكون التصويب ادق والضربة اكثر ايلاما . ولا شك ان الكثير منا تابع ملامح الحجيج وغضون وجوههم وهم يوجهون ضرباتهم القاصمة الفاصمة للشيطان الرجيم عليه لعائن الله وانبيائه وملائكته اجمعين الى قيام يوم الدين . ترى اين يختفي هذا الشيطان الذي توجه الى وجهه وصدره عشرات الملايين من الحصى سنويا ويفلت منها جميعا ونحن الوف بل مئات الالوف بل ملايين ، وهو واحد لا شريك له وقف ليتلقى ضرباتنا بصدر مفتوح كل عام ؟ اذا كان المراد من رمي الجمرات هو هذا المشهد المادي والعملية التقليدية التي تتسابق الفضائيات في نقلها مباشرة على الهواء ، فان في ذلك تفريغا خطيرا للهدف السامي الذي جاءت به حنيفية الاسلام العظيم ، و المعاني الرفيعة التي بنيت عليها فرائضه الروحانية التي تقف الصلاة في مقدمها . الشيطان الذي يريد منا محمد"ص" ان نلقمه بخمسين حجرا على الاقل هو ذلك الوحش الكاسر الذي يقيم بين جوانحنا وجوارحنا ليل نهار وهو الذي يسول لنا ارتكاب كل ما نراه ونفعله يوميا بدم بارد . هل هو ضحك على السماء ان ارمي رمز الشيطان بين مكة ومنى بسبع حجرات ، في يومين او ثلاثة ، ثم اذا ادرت ظهري لمكة وعتباتها المشرفة ، اشرأب عنق شيطان النفس في داخلي ليكون هو الآمر الناهي على مدى عام كامل . كم يثير ضحكي وبكائي في آن واحد ما يفعله الكثير من النواب العراقيين ومعهم الكثير من المسؤولين وهم يتدافعون سنويا لاداء فريضة الحج المخادع غير مبالين بحرمانهم قوافل من الفقراء من التشرف باقدس الاعتاب واشرفها ، فمَن غير الشيطان الناشط في نفوسهم يغريهم بارتكاب هذه الخطيئة التي يشرعنونها رغم انف الشرع والشارع . ولو ان تكاليف هذا الحج الفج دفعت من المال الحلال لهان الامر ، ففي الغالب تؤمن هذه المصاريف من اموال السحت التي يهتز لها العرش وهي في العراق ،فكيف باستخدامها في بقعة شهدت اشد حصار تعرض له نبي وآله في تاريخ الرسالات السماوية . ورغم ذلك الحصار الجائر ، الا ان محمدا "ص" ابدى هو و نخبة منتجبة من آله الكرام بينهم فتى الفتيان علي بن ابي طالب ، ابدوا من الصبر والزهد والانفة الهاشمية ما يكفي ليكون عبرة لكل معتبر ، رغم ان الارض وما عليها ومن عليها كانت تحت تصرفه لو شاء " و راودته الجبال الشم من ذهب ... عن نفسه ، فاراها ايما شمم ِ" . من يطع محمدا "ص" وشرعته فانه حذرنا من النفس الامارة التي بين جنبينا والتي قال انها اعدى الاعداء ، ذلكم الشيطان الرجيم . فاذا كبحتَ جماحها وانت في بيتك فذلك ازكى لك من مئة حصاة يستقبلها الشيطان بصدر رحب قرب مكة وهو يبتسم ملء شدقيه . و لحَجّة صادقة واحدة يرشق فيها شيطان النفس بحبة حمّص ، اقرب الى الله زلفى من جبال حصى خاو ، كأنه يوقظ الشيطان من غفلة او سبات . حج مكرور ورجم مهدور . |