من المؤكد ان الحضارة الانسانية قطعت شوطا طويلا من النضال حتى استطاعت بناء منظومة حاكمة من العلاقات بين افرادالمجتمعات والسلطات الحاكمة في ظل اطار مفهوم الدولة وبرزت الحاجة الى تعزيز قيم التعايش وقبول الاخر واحترام الانتمائات العرقية والدينية والمذهبية وحتى الفكرية لتبعد تحويل الاختلافات الى خلافات مغذية لصراعات مؤلمة ومن هنا ظهرت حاجة المجتمعات لمنظومة قيمية تترجم رغبات الانسان بالعيش الرغيد والمحترم دون المساس بكرامته واداميته وتصون حرية العيش والفكر والانتماء لذلك صادقة اغلب دول العالم على كل المواثيق ذات الصلة واوردت كل الدساتير ذلك . ولم يكن ذلك محض صدفة بل جاء نتجية صراع طويل خاضته البشرية الى أن أنتجت الحضارة المدنية فصلا كامل أو جزئي بين السلطات وبينها وبين الاديان وتشكلت معاني الدولة الوطنية كخلاصة لقبول الانسان للانسان وقبوله مبدأ العيش تحت مظلة الدولة الراعية والحافظة لمصالحه وتثبيت مفهوم القانون فوق الكل هذا هو الذي أدى لبني البشر في الدول الغربية التمسك بهوية بلدانهم والدفاع عنها والعمل الجدي والمخلص في سبيل اوطانهم بل ذهب ذلك الى الابعد حيث توصلت هذه الدول الى اتحاد جامع على اساس تسهيل الحياة امام ابناء الدول الاوربية والاستفادة المتبادلة لتعزيز فرص الرفاه بحياة شعوبها أقول ان المشروع الوطني حلم لكثير من بني البشر وخصوصا للذين يعانون من غيابه في بلدانهم ولكن الكيفية لتحقيقه هي الصعوبة . انه بحاجة الى قادة يؤمنون بضرورة العيش المشترك لبناء الوطن الواحد وعدم التميز وفرض الارادات وتجاهل الاخر واقصائه تحت ذريعة الاختلاف الديني أو المذهبي أو العرقي ولذلك يلعب المفكرين والمثقفين دور بارز لمنع استغلال الجهل والتسطيح الفكري الموروث من الانظمة الاستبدادية وخصوصا في محطات انهيار أو زوال هذه الانظمة . وكذلك منع اندفاع الجماعة الانسانية خلف جماعات سياسية تتمحور خلف الستائر الطائفية لتحقيق الغلبة والهيمنة وتكريس السلطة والنفوذ بيد اشخاص يبقى همهم الوحيد الحفاظ عليها وتعزيز فرص الابتعاد والاختلاف بين افراد المجتمع والاقتتال اذا رأو ضرورة لذلك. اليوم ما يحصل بالعراق اقرب لهذه الصورة وانحسار فرصة نجاح المشروع الوطني العراقي تقف هذه الاسباب اضافة لاسباب اخرى عاقا امام انبثاقه وتحقيق نجاحه منها عدم وجود احزاب وطنية وشخصيات قيادية تؤمن بالعمل الوطني وعدم التدخل الخارجي وارتماء الكثير من الاحزاب العاملة على الساحة العراقية في احضان الدول الخارجية وهيمنة التيارات الاسلامية الطائفية وغياب الوعي الشعبي باتجاه تعزيز العمل الوطني اضافة الى فشل السلطات بتوفير الامن والخدمات وصون الحريات العامة ومنها حرية التعبير وانتشار المافيات المدعومة سياسيا والارهاب السياسي والاجرامي الذي اصبح اداة من ادوات افشال هذا المشروع عليه ان الفرصة الوحيدة والضعيفة هو خوض الانتخابات القادمة المشكوك باجرائها بتيار وطني يمثل الكل العراقي بالرغم قد تكون فرص حصوله على نتائج جيدة قليلة .ألا انه يبقى الامل الوحيد لبروز تيار وطني يوقف الانجراف والانهيار القادم الذي بان قرنه واصبح يهدد وجود الدولة العراقية المشكوك بوجودها اصلا
نحن نشجع كل من يعمل بهذا الاتجاه ونتمنى ان يصحى السياسيون من الغفلة التي يعيشونها والتسابق لاعادة انتاج مشاريع تسهم بتكريس الانقسمات المجتمعية الخطر الاكبر والممكن بنفس الوقت..
|