وأنا عائد الى الوطن المكلوم من أحد البلدان العربية التي لا تشترط في زيارتها التأشيرة المسبقة ، في آخر يوم من أيام عيد الأضحى المبارك بعد زيارة قصيرة ، بحثا عن بعض من سلام واطمئنان وشعور بالآدمية ، وفي صالة الجوازات الرئيسية فوجئنا بعائلة عراقية بملابس (البيت ) ، وهو الأنطباع الأولي الذي يسجله عنهم كل من يشاهدهم ، حيث كان القاسم المشترك في ملابسهم هو ( الشحـّاطات ) ، اللهم إلا حذاء ملونا ترتديه صغيرتهم التي لا يتجاوز سنها الأربع سنوات من النوع الذي كان كلما تمشي ( يوَصْ وصْ ) والتي زرفت ادمغتنا ببكائها المزعج الذي لم ينقطع طيلة وجودهم في الصالة ، ولا أريد أن أشير الى ملابسها الرثة التي توقعها حقا القاريء الكريم وهو يقرأ هذه السطور .
تقدمت المرأة التي تترأس تلك العائلة لعدم وجود رجل معهم وبصحبة ابنها الشاب وبشحاطاتهم المسحوكة وأقدامهم القذرة وضربت السره الذي يقف فيه خلق الله أمام شباك الجوازات لغرض تأشيرة المغادرة وهي تصيح جوازات دبلوماسية .. هاج وماج من كان يقف في الصف وطلبوا منها أن تقف بالدور حالها حال الباقين ، ثم همس في أذنها أحد الواقفين وأشار لها الى شباك الدوبلوماسيين الفارغ .. فردّت بلكنة شوارعية شبيكم تخبلتوا علينة بسيطة نوصل العراق وآني أعلمكم .
بعد صفك الراح بالراح والأستهجان الكبير من المواطنين لكلام هذه السيدة الحديثة النعمة ، تناقش القوم حول دماثة العراقيين وأدبهم عندما يخرجون الى خارج البلاد وهم يرتدون أحلى الملابس ويتعطرون بأطيب العطور بسبب أنهم كانوا وما زالوا أصحاب نعمة وخير ، وأن تلك العائلة حتما لم تكن تمثل شعب العراق الصابر الكريم أو حتى سلكه الدوبلوماسي العريق .. وبعد أن توصل أحدهم الى ان تلك العائلة هي عائلة أحد نوابنا الكرام من اولائك الذين نقلهم الزمان وبقدرة قادر نتيجة الحصة التعويضية مدعومة بنضاله الشرس ضد الدكتاتورية وأغاني الكاولية .. أقول نقله من سائق تكسي برازيلي الى صاحب اسطول من السيارات المصفحة الحديثة والأرصدة الفلكية في مصارف العراق وغير العراق .
حمد القوم الله كثيرا وشكروه على السلامة ورجاحة عقولهم في هذا الزمان الذي يذهب العقول ويذهل كل مرضعة عن ما ارضعت ، وتذكروا بسهد وكدر كم هو كبير عدد الشحاطات الدوبلوماسية التي تمثل العراق في هذا الزمان الأغبر .