مَنفسيت الضِلال.. رشاوي وسرقات

 

عَملتْ مديرية المرور العامة على تغيير أرقام سيارات المنفيست بأرقام دائمة .. مما شكلَ زخماً على منافذ التغيير في الأشهر الماضية .. وأصبحتْ هناك فرصة لا تعوض لبعض النفوس الضعيفة في التربح  على حساب أصحاب السيارات .. فظهرَ المعّقبون للمعاملات لكي يتخلص صاحب السيارة من متاعب الحضور المباشر إلى دوائر المرور المعروف عنها بأنها دوائر الرشاوى و(الواشرات) .. ويتخلص من إرهاق المتابعة بين طوابير طويلة وشمس محرقة ووقت ضائع بعد أن أصبحنا في القرن الواحد والعشرين رقماً والقرن التاسع عشر تشبهاً ..

أرادَ أحدهم مني خمس ورقات خضراء أي ما يعادل 600 ألف دينار لينجز معاملة سيارتي المنفيست .. استكثرت ذلك وقلت في نفسي لأنجزها ويبقى هذا المبلغ في جيبي ولكي لا أشارك الباطل .. عندها عزمتُ وتوكلتُ لأذهب قبل أيام , فبين طوابير وإنتظار , أنهيت أكثر من خمس ساعات بين حرارة الشمس و الرياح المتربة في ساحة مكشوفة في موقع الضلال في شارع فلسطين وكأنه معسكر يخلو من حالة احترام للبشر أو صيغة خدمة للمواطن من قبل دائرة رسمية تابعة إلى المرور وما أدراك ما هي دوائر المرور العامة .

أنهيتُ يومها جزء من ماراثون معاملة المنفيست البائسة , والمقصود منها , إرهاق وحلب المواطن الذي يمر يومه بين الإعدام اليومي لأبنائه وسلب حريته وإنهاكه في كل شؤون حياته ...

بدأت بالأمس الرحلة الثانية لتصل إلى  فحص الكمرك للسيارة ليتبين لي كم من البؤس و الرَشَاوَى والحرمنة ! .. إذا قلت السلام عليكم لموظف المرور, فعليك ان تدفع أتعاباً وهي خمسة آلاف دينار رشوة علنية دون خجل ولا خوف أو وجل ؟ ولكي تحصل على رقم واردة أو صادرة فعليك إرفاق المبلغ مع المعاملة دون أن تتردد  .. وإذا لم تدفع فإنه الموظف يغير في المعاملة شيئا لكي ترجع إلى تصحيحها .. وهذا ما لاحظناه في شبابيك وفقرات مسير المعاملة الماراثونية التي تصل في إحدى مراحلها إلى فقرة الحاسبة .. وهنا الطامة الكبرى , مئات من المواطنين يجلسون بانتظار الفرج وهناك حاسبات بعدد اثنين فقط !.. في زمن أصبح كل بيت عراقي لا يخلو من هذا العدد من الحاسبات !! , فمتى تنجز هذه المعاملات الكثيرة  نظرتُ فلم أجد حلا وقد تركتُ عملي لأتفرغ لإنجاز هذه المعاملة السقيمة وكأنها ستنّزل علينا المن والسلوى في زمن عراقي مؤلم .. أردت أن أعاود المجيء من الصباح الباكر في يوم آخر إلا أن أحدهم إقترحَ عليّ مقترحاً شيطانياً مرورياً في عراقنا البائس وهو شراء الدَور في الطابور و ( ضرب السره ) مقابل ثلاثين ألف دينار !!!! لم أستسغ الفكرة وبقيت أتابع الأمرَ عن بعد , لاحظتُ أن هناك بعض الحثالات من الشباب منتشرة بين تجمعات البشر امام الشبابيك الكثيرة لتقوم بإستلام أوراق المعاملة وتقديمها إلى الموظفين عن طريق الباب وليس من الشباك المزدحم ..مقابل هذا المبلغ .. وهكذا قمت مضطراً بدفع المبلغ لتأتيني المعاملة جاهزة خلال نصف ساعة .. وهكذا إلى الواردة والصادرة والتدقيق والتخمين والتفريق وتوقيع المعاون والمدير لتنتهي معاملة كمرك  السيارة وتحول إلى فقرة جديدة وهي معاملة مرور بعد أسبوعين !!!!

لاحظنا أن منتسبي الدائرة خالفوا التعليمات بعدم تعليق باجات التعريف الخاصة بالموظفين ، وان المعاملات تدار بحاسبة واحدة ، بينما الحاسبة الأخرى عاطلة ؟؟!!.

دعوة إلى مديرية المرور العامة من اجل إنقاذ المواطن من حيتان ووحوش تفترس علناً جهده وأمواله وتلبس كل صور الشيطان وأتباعه , لأجل ملذات فاسدة ونفوس مريضة لم تجد من يسكتها في دولةٍ ينخرُ الفسادُ جسدها , أولها وآخرها , كبيرها وصغيرها .......

ودعوة إلى هذه الدائرة المهمة أن تختصر في إجراءات معاملاتها فإنها أصبحت وبالاً على المواطنين .. حتى أصبحنا نجزم أن المرور العامة آفة من أفات المجتمع العراقي في زمنه المرير هذا ..

كفاكم دمارا وتدميرا للعراقي المسكين الصابر المحتسب أمام طوفان القتل والفساد والمنكر والشر القادم من الجهات الأربع ..

إلى متى نسلم أمرنا إلى أصحاب النفوس المريضة من المرتشين الفاسدين المفسدين .

إلى متى السكوت عن ما يجري من إنحلال في منظومة الأخلاق والالتزام ..

إلى متى ترتهن أجسادنا بقتل يومي بين مفخخة وكاتم وعبوة .

الى متى يبقى عراقنا جريحا , ومن يعيد عراقنا إلينا , ومن يعيد هيبته , ومن ينقذ أبنائه .

 حسبنا الله ونعم الوكيل

 

المهندس علي محمد جعفر