الرجل الذي يستحي.. والرجل الذي لا يستحي

 

ليس الحياء صفة نسائية وحسب فمثل هذا الحياء يتصل بالمرأة، وتقرره مرحلة معينة من التطور الحضاري، من حيث ماذا تلبس، وماذا تقول، وكيف تنظر، وبأي درجة من الصوت تتحدث... الى آخره من الأمور التي في بعضها الحصانة وفي غيرها الغنج أو (الدلع) أو حتى الاغراء...
لكن الحياء ينبغي ان يكون ايضا فيما أدعي من صفات الرجال وان كان حياء الرجال مختلفا تماما عن حياء النساء...
فالرجل الذي يعلن ما يعتقد انه صحيح، ودون ان يظهر شيئا ويخفي غيره على النقيض... ان مثل هذا الرجل يستحي ان يكون ذا وجهين احدهما ظاهر والآخر مخفي...
والرجل الشجاع في الفعل وفي القول أنما يستحي ان يكون جبانا في هذا وذاك...
والرجل الذي لا يناقض قوله فعله أنما:
يستحي ان يعد ولا ينفذ...
ويستحي ان يتمظهر باخلاص لا يملكه ...
ويستحي ان يخدع الناس بمعسول الكلام وان يؤديهم بمر العمل...
ثم ان الرجل الذي يتجاوز التعصب الطائفي والعنصري أنما يسوقه لذلك الحياء في ان يحصر اهتمامه بالجزء المضر بينما الكل النافع مفتوح امامه..
فمثل هذا الرجل يستحي ان يتعصب ضد اخيه في الدين، وفي الوطن، وفي الارومة القومية، وفي الانسانية.
والرجل الذي يستحي لا يمد يده الى المال الحرام سواء كان مال الدولة وهو مال الشعب، أو مال الناس من حوله...
والرجل الذي يستحي لا يكون نهازاً للفرص، فهو ليس من الذين لا يتركون فرصة متاحة لكسب منصب أو جاه، أو مال إلا وقد ركض اليها..
والرجل الذي يستحي لن يكون في وضع اذا الريح مالت مال حيث تميل...
والرجل الذي يستحي لا يدعي فضائل ليست عنده، ولا يزعم قدرات لا يملكها، ولا ينسب لنفسه اخلاصاً هو مجرد منه.
والرجل الذي يستحي لا يقتل امرأتين في دارهما في الموصل ويجرح امهما فهذا ليس من صفات المسلم، ولا من صفات الرجولة، أنما هو الزندقة بعينها، والجبن ولا شيء سواه...
والرجل الذي يستحي لا يقتل ابناء وطنه ليقال عنه انه مجاهد نحرير..
والرجل الذي يستحي لا يكون امعة مع هذا الاجنبي أو غيره وضد شعبه ووطنه مقابل دراهم معدودات...
والرجل الذي يستحي يتأمل مليا كلام الحق تعالى ويسير في هديهه، ويتخذ العبرة منه... (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ،وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ ،كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ ،فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ )...
والرجل الذي يستحي لا يتصور انه خالد فلا خلود إلا للواحد الاحد...
والرجل الذي يستحي لا يظهر مثقفا و(ملتزما) وهو طائفي أو عنصري حتى النخاع.
والرجل الذي يستحي لا يزعم التحضر والتقدمية، والاشتراكية، وهو يحتقر زوجته وابنته ويحرم ابنه من حق الحياة.
والرجل الذي يستحي لا يقتل الناس بالجملة وهو معارض فكيف يكون عليه الأمر اذا اتيحت له فرصة الحكم لا سمح الله.
والرجل الذي يستحي لا يكون في المعارضة مخلصاً، مجرداً، شفوقا على الناس، حريصاً على مصالحهم، بسيطا، متواضعاً، لكنه ما ان يستلم السلطة حتى يغدو طاغية، ولصا، ومستبداً لا يهمه إلا السلطة، والا مصالحه، ومصالح اسرته واقاربه والصحاب...
والرجل الذي يستحي يأنف ان يحيط نفسه بالدجالين والمنافقين...
والرجل الذي يستحي يخجل ان يبعد العارف، الفاهم، المخلص لله وللوطن، ليقرب الامي، الجاهل، المخلص للحاكم وحده، ولنفسه وليس لغيرهما..
والرجل الذي يستحي لا يظهر في القنوات الفضائية ليهرف بما لا يعرف... ولا يدعي انه محلل سياسي أو ستراتيجي وهو لا يعرف معنى السياسة ناهيكم عن معنى التحليل ويتصور الستراتيجية نوعا من الحلويات...
اذ يروى عن أحد فلاحينا ان جاره قد سأله، ذات مرة:
- الليلة، عازم جماعتي في التنظيم فماذا اطبخ لهم؟
وهنا اجاب الفلاح :
- كثر لهم من الامبريالية.
وسأل أحد الصحفيين أحد المزارعين...
ما هي مشاكلكم ؟ فاجاب المزارع:
- (المحافظون الجدد) و (الصبخ).
والرجل الذي يستحي هو الذي ينصف التاريخ، ويتمسك بالحقيقة فلا يمدح عهداً سيئا لمجرد انه كان منتفعا منه، أو يذمه لانه كان مستثنى مما قدمه ذلك العهد من مغانم...
والرجل الذي يستحي لا يوافق على شيء وهو غير مقتنع به خوفا على منصبه، ولا يرفضه وهو مقتنع.. بناء على اوامر من (ائتلافه).. أو خوفا من سحب الحصانة عنه...
والرجل الذي يستحي لا يطلق السباب، ولا بذئ الكلام، ولا الاتهامات تجاه من يخالفة الرأي أو الموقف..
والرجل الذي يستحي لا يتكئ على الكلام المبتذل، ولا على المحفوظات التي فات أوانها، ولا على المصطلحات الرثة، اذ لا يجد وسيلة غير هذه تحمل فكراً قد تعفن، على قنطرة متصدعة من مقولات وارها الزمان.
والحق اقول لكم: وليلمني من يجدني استحق اللوم لما ذكرت، ومن يريده لي مع سبق الاصرار والترصد، ليلوموني اولئك وهؤلاء اذا قلت: ليس العيب فقط ان لا نستر اجسامنا وان نخرج عراة من الملابس فهذا اقل عيبا من ان يخرج الإنسان عاريا من كل فضيله فالخطايا لا تستر عورة بل هي تكشف حتى عن نخاع العظام... ....