هذه حقيقة المالكي ( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ )

 

يقول "غوستاف لوبان" عالم الاجتماع الفرنسي في كتابه "روح الجماعات": إن الجماعات الامية _ لطبيعتها المضطربة وعقليتها المسطحة ونفسيتها المشوشة_ تقاد دائماً بالطغاة، الذين يفكرون بالفطرة أو الدراسة أو الإرشاد، على بينة من حقيقة الجماعات، فيعملون على التهييج والإثارة والتلاعب بالألفاظ والكلمات، ونشر الأوهام والأحلام، ورفع الشعارات والرموز، دون ان يقدموا أية برامج محددة أو نظم مفصلة أو دراسات واضحة. ويرى لوبان، الطاغية لابد ان يتصرف بمنهج الدعاية ومنطق الإلحاح وهو لا يرد بالمنطق بل بالشائعات، ولا يجادل بالحسنى بل بالتهديد، وهو يحرف ويتهم غيره بالتحريف، ويزيف ويتهم غيره بالتزييف. ويجنح الطاغية دائماً إلى التلاعب بالألفاظ والتماحك بالكلمات، فيسمي العدوان كفاحاً، والقتل جهاداً، والهزيمة نصراً، والانسحاب إعادة تنظيم، واغتيال الخصوم تصفية لهم أو تقليلاً من عددهم وهكذا.
استحضرت هذا النص لعالم الاجتماع لوبان، وأنا أستمع إلى حديث رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي يوم الأربعاء الماضي مع قناة السومرية،وفي معرض جوابه على سؤال مقدم البرنامج عما يتم تداوله بشأن دور ابنه أحمد. قال المالكي:( إن جريرة أحمد الأولى هي أنه ابني، أما الجريرة الثانية فهي أنه يوجد شخص يعمل في المنطقة الخضراء يدير شركة مقاولات وشراء عقارات بطريقة غير شرعية وعلى هذا الشخص أكثر من مذكرة إلقاء قبض، لكن الجميع يتخوف من تنفيذها لأنه مسنود من قبل شخصيات وأحزاب سياسية نافذة، وأحمد قال أنا سوف ألقي القبض عليه وركب السيارة وأخذ القوة ( كما يقول دولة رئيس الوزراء) وألقى القبض على هذا الشخص، وهناك أيضاً شخص آخر كذلك قاد احمد قوة وتمكنت من إلقاء القبض عليه....).
هذا اللقاء ليس الأول الذي يتحدث فيه رئيس الوزراء عن "بطولاته" ، وإن كانت هذه هي المرة التي يقدم لنا "بطلا" جديدا اسمه أحمد نوري المالكي، إذ في لقاء سابق مع عدد من الأكاديميين والاقتصاديين الذين تم انتقاؤهم، عقب كارثة وفضيحة هروب السجناء من سجني أبو غريب والتاجي، كرر المالكي أكثر من مرة إرساله قوات خاصة لإلقاء القبض على عدد من الأشخاص المطلوبين للعدالة بتهم متعددة. والذي لفت انتباهي تأكيده أنه أرسل هذه القوات في ساعات متأخرة من الليل. إذ يبدو ان المالكي يحكم الدولة وفق قانون الطوارى فهو يرسل القوات لإلقاء القبض بأمر منه من دون مذكرة اعتقال صادرة من السلطة القضائية! 
وعلى ما يبدو ان المالكي يستخف بعقولنا ولكنه يستخف بمنصبه كرئيس مجلس وزراء وكقائد عام للقوات المسلحة وكرئيس لتيار سياسي اسمه "دولة القانون" ولحزب سياسي إسلامي عريق تشهد له دماء الشهداء لا مدونات الصحف والخطب الرنانة بمقارعة النظام الدكتاتوري.
من يتتبع خطابات دولة رئيس الوزراء على مدى أكثر من سبع سنوات عجاف حكم بها العراق، لا يجد إلا التشكي والحديث عن منجزات، هي في الواقع تعد من أبسط وظائف الحكومات. إذاً باختصار شديد رئيس الوزراء يستخف بعقولنا!
فهل يعلم دولة رئيس الوزراء أن العراق احتل المرتبة التاسعة في تصنيف الدول الفاشلة لعام 2012؟ وهل يعلم رئيس الوزراء أن جواز السفر العراقي ثاني أسوأ جواز في العالم؟ وهل يعلم رئيس الوزراء ان عدد الضحايا من العمليات الإرهابية – حسب تقرير يونامي منذ بداية هذا العام ولغاية شهر أيلول الماضي مايقارب5,000 شهيد مدني وإصابة 12,000 آخرين؟ وهل يعلم رئيس الوزراء ان العراق لولا الصومال لاحتل المرتبة الأولى عالمياً بالفساد حسب تقرير منظمة الشفافية؟ إذا لم يعلم رئيس الوزراء بكل هذا فلا أعتقد انه يمكن ان يستحق البقاء في وظيفته كرئيس للحكومة العراقية. أما أن يخرج أمام الملأ ويتحدث عن بطولات نجله في إلقاء القبض على شخص متهم بالفساد من دون ان يبين لنا وظيفته، فهو الاستخفاف بعينه بأكثر من ثلاثين مليون عراقي! والاستخفاف بأكثر من 665,000 منتسب إلى القوات الأمنية العراقية، بعضهم يحمل التيجان والسيوف وشارات الأركان الحربية. وينفق عليهم 15 مليار دولار من موزانة العراق لعام 2013!
إذاً، نحن من يتحمل المسؤولية عندما جعلنا هؤلاء السياسيين يستخفون بنا، في حين نحن من منحهم الشرعية في الوصول إلى السلطة، وعليه يجب ان نعمل على ميلاد الوعي بقدرة المجتمع على الانتقال من الثرثرة والتشكي، إلى الفعل والعمل بإزاء السلطة المركزية، أياً كان ممثلها. ينبغي ان تكون مطالبنا بإصلاح النظام السياسي العراقي وإنهاء حالة الاستهتار بمقدرات الشعب وحقوقهم والأهم من ذلك حقهم في الحياة وفي حرية التعبير عن الرأي، ولتكن مطالبنا :
1. نظام داخلي ملزم لمجلس الوزراء يحدد القواعد الناظمة لصنع السياسة وصنع القرار، بما ينسجم والطبيعة الائتلافية للوزارة.
2. تحديد الصلاحيات العسكرية لرئيس الوزراء، وبخاصة نقل المكاتب العسكرية القابعة في مكتبه إلى وزارتي الدفاع والداخلية، وإعادة تسلسل المراجع للعمل: من رئيس الوزراء إلى وزير الدفاع إلى هيئة الأركان إلى التشكيلات العسكرية والأمنية، وتعيين قادة الفرق بموافقة البرلمان (حسب نص الدستور).
3. فك "الهيئات المستقلة" عن رئاسة الوزراء، وإعادة صلتها بالبرلمان، راعي استقلال هذه الهيئات، وضامن توازنها، كهيئات رقابة على السلطة التنفيذية، لا خادمة لها.
4. حماية البنك المركزي من أطماع السلطة التنفيذية، الراغبة في التصرف بأرصدته (63 مليار دولار)، من دون أي اعتبار لانهيار العملة العراقية إن جرى المساس بالأرصدة.
5. فك ارتباط وتلاعب السلطة التنفيذية بملفات الفساد أو ملفات الاجتثاث، واستخدامها استخداما اعتباطيا، بحفظها حماية للاتباع المخلصين، أو فتحها لمعاقية أو تهديد الخصوم القائمين أو المحتملين، فضلا عن منع تعيين كبار المدراء بالوكالة هربا من رقابة البرلمان.
6. وضع قواعد ملزمة، تحد من صلاحيات السلطة التنفيذية بحجب مدفوعات الميزانية المقررة من البرلمان إلى المحافظات أو السماح بها، كأداة للعقاب والثواب. 
7. ضبط أوجه الإنفاق من مكتب رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية ونائبيه، وبخاصة الميزانيات الأمنية والخاصة، وغيرها من البنود (اختفت سبعة مليارات دولار من دون أي وثيقة رسمية بمادة الإنفاق، الخ).