(سنمضي نحن، ويأتي بعدنا من يحمل الراية ويسير، أغنيات الحب والإبداع، نغنيها للمظلومين في العالم، لؤلؤة الذين يعانون من الحرب، وزمهرير الشتاء، وعيونهم ترنوا إلى الحرية) مسرحية الخرابة ليوسف العاني والتي اخرجها سامي عبد الحميد لفرقة المسرح الحديث قدمت في قاعة الخلد في1970 في عراق الخرابة اذا اردنا التغيير فالتغيير في الذات لا في تغيير الظروف لان تغيير الظروف لا يكون مجديا ان لم نتغير نحن فالخرابة فينا وليست في الخارج والصدق سبيل النجاة والخرابة مسرحية وفق اسلوب المسرح السياسي الوثائقي (الخرابة) لعب فيها دور البرجوازي الصغير روميو يوسف الذي كان لا يجد أي فرصة لهذا الوطن الذي يصفه بالخرابة والمسرحية اتبعت أسلوب مسرح برشت و يعتبر بريشت من أهم كتاب المسرح العالمي في القرن العشرين. ويقوم مذهبه في المسرح على فكرة أن المشاهد هو العنصر الأهم في تكوين العمل المسرحي, فمن اجله تكتب المسرحية, حتى تثير لديه التأمل والتفكير في الواقع, واتخاذ موقف ورأي من القضية المتناولة في العمل المسرحي. ومن أهم أساليبه في كتابة المسرحية: هدم الجدار الرابع : ويقصد به جعل المشاهد مشاركا في العمل المسرحي, واعتباره العنصر الأهم في كتابة المسرحية. والجدار الرابع معناه أن خشبة المسرح التي يقف عليها الممثلون, ويقومون بأدوارهم، هي تشبه غرفة من ثلاثة جدران, والجدار الرابع هو جدار وهمي وهو الذي يقابل الجمهور. التغريب : ويقصد به تغريب الأحداث اليومية العادية, أي جعلها غريبة ومثيرة للدهشة, وباعثة على التأمل والتفكير. المزج بين التحريض السياسي وبين السخرية الكوميدية. استخدام مشاهد متفرقة : فبعض مسرحياته تتكون من مشاهد متفرقة, تقع أحداثها في أزمنة مختلفة, ولا يربط بينها غير الخيط العام للمسرحية. كما في مسرحية "الخوف والبؤس في الرايخ الثالث" 1938. فقد كتبها في مشاهد متفرقة تصب كلها في وصف الوضع العام لألمانيا في عهد هتلر, وما فيه من القمع والطغيان والسوداوية التي ينبأ بحدوث كارثة ما. استخدام أغنيات بين المشاهد وذلك كنوع من المزج بين التحريض والتسلية. وتمتع مسرح بريخت بقدرة كبيرة على تغيير المجتمع بشكل مباشر، فقد كان يطمح دائماً إلى إنشاء مسرح تنويري، وأراد أن يفضح الأقوياء ويسقط أقنعتهم، وكان في داخله حب كبير للعدالة، كما انه شعر بنفسه مسئولا دوماً عن مصلحة المظلومين. وكتب بريخت العديد من المسرحيات السياسية ، مسرحية "أرتوري أوي" التي تتناول شخصية الزعيم الألماني هتلر ومسرحية "الأم" التي استوحاها بريخت من رواية تحمل نفس الاسم للكاتب الروسي مكسيم غوركي والتي تروي قصة امرأة عاشت في فترة روسيا القيصرية وتحولت إلى إحدى الثائرات، ومسرحية "الأم شجاعة وأولادها"، التي تنتقد الحروب، حيث يستعرض بريخت مصير من يريد الاستفادة من الحرب، فالأم شجاعة تفقد أولادها جميعاً وتنتهي إلى مصير بائس.وكتب أيضاً مسرحية "جان دارك قديسة المسالخ" وهي مسرحية تدور أحداثها في مسالخ مدينة شيكاغو في عشرينيات القرن الماضي وتحذر من مخاطر النموذج الاحتكاري، ورغم قدم أحداثها تلامس هذه المسرحية واقعنا المعاصر بشكل كبير، فالعولمة لا تمثل في النهاية سوى احتكار عالمي كبير يتقدم نحونا بشكل مخيف ويبدو انه سيكون وبالاً علينا أيضا، كما أن الكثير من الناس يشعرون بأنفسهم مهددين بعواقب العولمة، التي قد تسبب الفقر والبطالة الجماعية، وأحداث تلك المسرحية تدور في زمن شديد الشبه بزمننا الحالي، عندما كف الناس عن الحلم بعصر ذهبي وسادت فيه أزمة اقتصادية عالمية أوقعت الكثير من البشر في يأس كبير. يصف محمد سيف مسرحية الخرابة بقوله والخرابة تقترب من حيث الشكل والمضمون من الخراب الذي ليس هو بالضرورة عراقي الأصل وإنما هو أيضا عالمي، والنظام العالمي/الأمريكي الجديد خير شاهد عيان والخراب، في أحسن أشكاله وأحواله مؤلم وحزين، لانه يشبه إلى حد كبير، ذالك اليباب الذي اينع في الورود، أينع في الصخور، اينع في ملكوت النفس بعد أن سافر المدن وهجر مواطن الحب. إنه بقايا غبار تحمل النفس طيلة مشوار (مسرحية الخرابة) حيث الواحد والأول والثاني والثالث الذين هم بمثابة ارقام ذات دلالة, أفكار مكثفة ترتدي جلد نمادج بشرية متغيرة تجسد امتدادات الزمن وافكاره المختلفة، انهم خيالات حقيقية موجودة وغير موجودة، المسرحية تبدا لكي تقول: خرابة اكثر من أربعين عاما ونحن نعيش في خرابة!في هذه الخرابة الصح خطا والراس كعبا والكعب راسا كل شيء فيها مقلوب راسا على عقب. ان الواحد والأول والثاني والثالث شخصيات مسرحية تتارجح ما بين عوالم عدة: الواقع والخيال؛ الحلم واليقظة, الصدق والرياء، الوعي واللاوعي، تتارجح ما بين الوهم والحقيقة مثل ارقام في صحراء تتخبط في رمادية المشهد المكتوب تبحث عن مؤلف يخرجها من جحيم الرتابة التي تعيش, يخرجها من مازق المستخربة بفعل السياق النصي ودكتاتورية التاريخ وضغط الاحداث التي تجعلها تظهر وتغتفي مثل شاعر صوفي خلف اقنعة الاستعارة الازمة. إن شخصيات الخرابة، حسبما يطالعنا بها النص، وحسبما كشفت لنا خشبة المسرح العراقي شخصيات دائخة، حائرة، موجوعة، تتلاطم اشلاؤها في فضاءات المسرح المتعددة، مثل : قارب في غابة أو مثل كوميدية قديمة) باحثة عن علاقة مباشرة مع المتفرج، لأن المؤلف يوسف العاني في لحظة من لحظات الغضب الممتنع، حمل من فأسه بدلا من قلمه وحطم بشكل شعوري الجدار الرابع للمسرح، بعدما عرى شخصياته تعرية كاملة من خلال قول كل ما هو محرج أو ممتنع عن القول. الغريب في الأمر أن اغلب المسرحيات في المسرح الأوربي /الباريسي مؤخرا ، لا تتحدث إلا عن الخراب المهول والرعب الجائر الذي يتجاوز حدود المعقول بعد ما بات قتل الأطفال الأبرياء غير كاف، بل لابد من اكل لحومهم الطرية، اشعال لهيب الحرب في البلدان الفقيرة النامية غير كاف أيضا، لأن المدن يجب أن تباد عن بكرة أبيها بشتى الوسائل والعبر. إن الشخصيات المسرحية التي نتخيل دائما أنها وهمية ومن صنع خيال المؤلف بدأت تتسائل بنوع من الخجل المستمر فيما إذا كان بإمكانها أن تتمادى أكثر فأكثر بمشاهد الرعب والقسوة ؟ كما لو أن الانسان قد خلق من أجل أن يتلذذ برؤية هذه المشاهد. وبما أن رجال المسرح ومنظرية قد جردوا المسرح من جداره الرابع وجعلوه عاريا، لم يبق أمام الابطال التراجيديين وممثلي الجوقات المسرحية، إلا أن يتوجهوا بالشكوى والحديث إلى الجمهور مباشرة في عراق الخرابة الخرابة مكان مغلق محير. الخروج منه صعب مثلما الدخول اليه سهل ممتنع… فالإنسان قد زرع الشر على الأرض ولم يبق امامه سوى فعل الخير. فهل بمقدوره ان يفعل ذلك؟ إذا كان في مقدوره ان يفعل مثلما يزعم دائما يمكن ان يدخل خرابة يوسف العاني وان لم يستطع فليبتعد عنها قدر ما يستطيع لان الصدق في هذه (الخرابة) الفاضلة التي لا تعرف الحدود جواز سفر.
|