بعض الجوانب المشرقة من حياة أمير المؤمنين.. الجزء الثاني |
بقلم : عبود مزهر الكرخي ومن هنا فإن الكتابة عن شخصية الأمام علي(ع) لا تنتهي ، مهما اختلفت المناهج من بحوث ومقالات وتنوعت أساليبها ، ولهذا وجدت حالة من التواصل الفكري والثقافي لكل من كتب عن أمير المؤمنين وبغض النظر عن المذهب وحتى الدين والتي كانت تمثل الحياة بكل مفرداتها ومضامينها مما أدى إلى أيجاد حالة التكامل الإنساني لشخصية الأمام علي(ع) الخالدة وبكل مضامينها السامية سواء على مستوى الفرد والأمة، ولهذا نلاحظ في ظاهرة فريدة من نوعها انه وجود العديد من الكتاب من الدين المسيحي وحتى الكتاب الغربيين للبحث والكتابة ودراسة هذه الشخصية لتبين مدى عظمتها وتأثيرها على مستوى الإنسانية وبالتالي أدت إلى إن تكون عبقرية الأمام علي(ع) وبكل مفردات أحكامه ونهجه وأفكاره المتألقة والمتجددة على مدى التاريخ دليل عمل لكل من يحمل قيم الشرف والعدالة والإنسانية وبالتالي أصبح كل من يحمل أفكار ومبادئ أمير المؤمنين ويتسلح بها والتي يعتبرها أكبر وسام يتشرف بحمله. ومن خلال هذه السيرة فإننا نسير في رحلة جميلة مع سيرة وصي النبي وابن عمه وباب مدينة علمه ، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام ، منذ مولده الشريف في الكعبة المعظمة ، حتى لقي الله مخضباً بدمه في محراب العبادة بمسجد الكوفة ، شهيداً وشاهداً على الأمة بعد سنواتٍ من المحنة والجهاد. إن سيرته عليهالسلام صفحة خالدة من صفحات المجد والسمو، نقرأ فيها عالم المثل العادلة ومبادئ العظمة والاستقامة والخصائص الفريدة، نقرأ سيرة رجل عاش لله، وليس فيه شيء لغيره، يغضب لغضبه، ويرضى لرضاه، ويحب فيه، ويبغض فيه، أعظم الناس جهاداً في سبيله وأكثرهم معرفة بشريعته وعملاً بإحكامها وإحياءً لمعالمها .. فجاءت سيرته تجسيداً لرسالة الإسلام ، بل كانت إسلاماً يتحرك على الأرض.. انه الكتاب الناطق والسنة الحية. لقد كان علي عليهالسلام قمةً في كلّ شيء ، ينحدر عنه السيل ، ولا يرقى إليه الطير ، استغنى عن الكل ، واحتاج الكل إليه ، لكنه عاش في مجتمعٍ عزّ وجود من يفهمه فيه ، فكان يقودهم إلى مبادئ الحق ومعارج الكمال ، وكانوا يريدونه لدنياهم وشهواتهم ولذاتهم ، قال عليهالسلام : « ليس أمري وأمركم واحداً ، إنني أريدكم لله ، وتريدونني لأنفسكم » وكان يتفجّر علماً لم يجد له حملة ، قال عليهالسلام : « إن ها هنا لعلماً جماً لو أصبت له حملة ». ولندخل في تناول بعض من القبسات النورانية من حياة سيدي ومولاي أمير المؤمنين روحي له الفداء والتي سوف نشير لها في كل مرحلة من مراحل حياته والتي نأمل من الله أن يغمس قلمنا المتواضع والذي هو عبارة عن غمس إبرة في المحيط العظيم لحياة هذه الشخصية الخالدة والتي لا توفي كل الكتب حق هذه الشخصية العظيمة من الأولين والآخرين. نسبه : هو سيِّد العرب ، يعسوب المؤمنين ، مولى الموحّدين ، أسد الله الغالب عليُّ بن أبي طالب بن عبد المطَّلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرَّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن نضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .القرشي ، الهاشمي ، المكِّي ، المدني.(1) « وأمُّه أول هاشمية ولدت هاشمياً » (2)..وهو والد ابنين هاشميين ، لأبوين وجدَّين كلِّهم من بني هاشم. جدُّه وأبوه : جدّه عبدالمطَّلب ، الملقَّب بشيبة الحمد؛ لشيبة كانت في رأسه (3) ، وقيل : « اسمه شيبة » (4) ، وكنيته : أبو البطحاء ، لأنَّهم استسقوا به سقياً فكنَّوه به (5) .. وقد بلغ من الشرف في قومه ما لم يبلغه أحد من قبل. وكان عبد المطَّلب جدُّ رسول الله يكفله، وعبد المطَّلب يومئذٍ سيِّد قريش غير مدافَع ، قد أعطاه الله من الشرف ما لم يعطِ أحداً ، وسقاه زمزم وذا الهُدُم ، وحكَّمته قريش في أموالها ، وأطعم في الُمحل حتى أطعم الطير والوحوش في الجبال. قال أبو طالب : ونُطعمُ حتى تأكُلَ الطيرُ فضلَنا***إذا جَعَلَتْ أيدي المُفيضينَ تَرْعَدُ وكان على ملَّة إبراهيم الخليل ؛ فرفض عبادة الأصنام ووحَّد الله عزَّ وجلَّ ، وسنَّ سنناً نزل القرآن بأكثرها ، وجاءت السُنَّة من رسول الله بها وهي : الوفاء بالنذور ، ومائة من الإبل في الديّة ، وإلا تنكح ذات محرم ، ولا تؤتى البيوت من ظهورها ، وقطع يد السارق ، والنهي عن قتل المؤودة ، والمباهلة ، وتحريم الخمر ، وتحريم الزنا ، والحدُّ عليه ، والقرعة ، وإلا يطوف أحدٌ بالبيت عرياناً ، وإضافة الضيف ، وإلا ينفقوا إذا حجَّوا إلا من طيِّب أموالهم ، وتعظيم الأشهر الحُرم ، ونفي ذوات الرايات.(6) هكذا كان مجاهراً بدينه ، داعياً إلى الخلق الكريم والمبادئ السامية التي جاءت بها الأديان ، وكان له في هذه الخصال دور لا يشاركه فيه أحد ، حتى أنَّ قريشاً كانت تسميه إبراهيم الثاني. أُمُّه : فهي فاطمة بنت أسد بن هاشم ـ جدُّ النبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ بن عبد مناف بن قصي الهاشمية القرشية ، وأُمُّها فاطمة بنت قيس بن هرم بن رواحة بن حجر بن عبد بن بغيض بن عامر بن لؤي (7) بنت عم أبي طالب. وقال أهل السير : « هي أول هاشمية تزوّجت هاشمياً وولدت خليفة هاشمياً » (8) وهي من سابقات المؤمنات إلى الإيمان ، وكانت قبل ذلك على ملَّة إبراهيم الخليل عليهالسلام ، هاجرت مع رسول الله في جملة المهاجرين إلى المدينة المنوَّرة ـ على ساكنها السلام ـ ماشية ، حافية ، وهي أوَّل امرأةٍ بايعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بمكَّة بعد خديجة زوج الرسول .. وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يعاملها كما يعامل ابنٌ برَ أمَّه حتى يوم وفاتها. حيث توفِّيت في المدينة المنوَّرة سنة أربع من الهجرة ، وأنَّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « اليوم ماتت أمِّي » (9) ، وشهد جنازتها فصلَّى عليها وكفَّنها قميصه ليدرأ عنها هوامَّ القبر ، ونزل في قبرها لتأمن ضغطته. (10) وروي أنها سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : « يُحشر الناس يوم القيامة عراة » فقالت : واسوأتاه ، فقال لها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « فإنِّي أسأل الله أن يبعثك كاسية ».(11) وسمعته يذكر عذاب القبر فقالت : واضعفاه ، فقال : « إنِّي أسأل الله أن يكفيك ذلك »(12).. وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قبل ذلك يزورها ويقيل عندها في بيتها، وقال ابن عبَّاس : « وفيها نزلت ( يا أيُّها النبيُّ إذا جاءك المؤمنات يبايعنك ... ) (13) »(14) وإنَّها كانت من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بمنزلة الام ، تفضله على أبنائها وتغدقه من حنانها وكان شاكراً لبرِّها .. وقال صلى اللهعليه وآله وسلم : « إنَّها كانت أمِّي ، إنها كانت لتجيع صبيانها وتُشبعني ، وتشعثهم وتدهنني ، وكانت أمِّي ».(15) أخوته : وله من الأخوة الذكور ثلاثة ومن الأخوات اثنان وهم : 1) طالب: وبه يكنى أبيه وهو أكبرهم أخرجه المشركون يوم بدر لقتال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كرهاً ؛ فقال : اللَّهمّ إمّا يغزون طالب***في منقبٍ من هذه المناقب وليكن المغلوب غير غالـب***وليكن المسلوب غيـر السالب فلمَّا انهزم المشركون يوم بدر لم يوجد في القتلى ، ولا في الأسرى ، ولارجع إلى مكَّة ، ولا يُدرى ما حاله ، وليس له عقب.(16) 2 ) عقيل : وهو اكبر من جعفر بعشر سنين وكان من النسابة العرب المشهورين وكان سريع الجواب المسكت للخصم ، وله فيه أشياء حسنة يطول ذكرها ، وكان أعلم قريش بالنسب ، وأعلمهم بأيَّامها ، ولكنَّه كان مبغَّضاً إليهم ، لأنَّه كان يَعدُّ مساوئهم. وكان على رأس ثلاثة أعتمدهم عمر بن الخطَّاب في تثبيت أسماء العرب وأنسابهم في الديوان الذي أقامه ، ويعدُّ هذا الديوان أوَّل كتاب في الأنساب يكتبه المسلمون ، وقد كان عقيل رأساً فيه. وكانت له طنفسة ـ بساط ـ تطرح له في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ويجتمع الناس إليه في علم النسب وأيَّام العرب ، وكان يكثر ذكر مثالب قريش ، فعادوه لذلك ، وقالوا فيه بالباطل ، ونسبوه إلى الحمق ، واختلقوا عليه أحاديث مزوَّرة. وكان ممَّا أعانهم عليه مفارقته أخاه عليَّاً عليهالسلام ، ومسيره إلى معاوية بالشام ، فقيل : « إنَّ معاوية قال له يوماً : هذا أبو يزيد ، لولا علمه بأنِّي خير له من أخيه ، لما أقام عندنا ، فقال عقيل : أخي خير لي في ديني ، وأنت خير لي في دنياي ، وقد آثرت دُنياي ، وأسأل الله خاتمة خيرٍ بمنِّه ».(17) وهذه هي تبين مدى سرعة بديهيته وذكاؤه ومعرفته من هو معاوية(لعنه الله) قال له النبيُّ صلىاللهعليه وآله وسلم : « إنِّي أحبُّك حبَّين ، حبَّاً لقرابتك ، وحبَّاً لما كنتُ أعلم من حبِّ عمِّي إيَّاك ».(18) وله العديد من الأولاد أهمهم هو مسلم الذي كان سفير الحسين والذي بعثه إلى الكوفة قبل سيره على كربلاء واستشهد في الكوفة وله قبر يزار ويكنى بسفير الحسين(ع) 3 ـ جعفر(19): وهو المعروف بـ ( جعفر الطيَّار ) فقد كان أشبه الناس برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خلقاً وخُلُقاً (20)، أسلم بعد إسلام أخيه عليٍّ بقليل. وكان لجعفر من الولد عبدالله ، وبه كان يُكنَّى ، وله العقب من ولد جعفر ، ومحمَّد وعون لا عقب لهما ، وُلدوا جميعاً لجعفر بأرض الحبشة في المهاجرة إليها ، وأمُّهم أسماء بنت عُميس بن معبد بن تيم. وقد كان من السابقين الأوَّلين إلى الإسلام .. فقد روي أنَّ أبا طالب رأى النبيَّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وعليَّاً عليهالسلام يصلِّيان، وعليٌّ عن يمينه ، فقال لجعفر رضي الله عنه : « صِلْ جناح ابن عمِّك ، وصَلِّ عن يساره ».(21) "وهنا لدينا تعليق وهو يثبت بأن ابو طالب كان مؤمنا وليس كافراً كما يدعي بعض الكتاب والباحثين القصيري النظرة وهو ناتج من خلفيات حاقدة ومغرضة لأنه والد أمير المؤمنين وهذه لديها خلفيات حيث إني بصدد أعداد بحث عن تزييف وظلم التاريخ لأمير المؤمنين التاريخ والتي سوف نثبت بطلان هذه الدعوى جملة وتفصيلاً ومن كتبهم وصحاحهم". وقيل : أسلم بعد واحد وثلاثين إنساناً ، وكان هو الثاني والثلاثين ، قاله ابن إسحاق ، وله هجرتان : هجرة إلى الحبشة ، وهجرة إلى المدينة .. وكان رسول الله يسمِّيه: أبا المساكين ... ولمَّا هاجر إلى الحبشة أقام بها عند النجاشي ، إلى أن قدم على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حين فتح خيبر ، فتلقَّاه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم واعتنقه ، وقبَّل بين عينيه ، وقال :« ما أدري بأيِّها أنا أشدُّ فرحاً؛ بقدوم جعفر، أم بفتح خيبر »؟ وأنزله رسول الله صلى اللهعليه وآله وسلم إلى جنب المسجد.(22) ٤ ـ أمُّ هاني : قال ابن سعد : « اسمها جعدة ، وقيل : فاخته ، وقيل : هند ، وهي التي أجارت زوجها وقوماً من المشركين يوم فتح مكة ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « قد أجرنا من أجرت » .. وهاجرت إلى المدينة ».(24) ٥ ـ جُمانة : تزوَّجها أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطَّلب ، وهاجرت إلى المدينة ، وتوفِّيت في حياة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم .. وفي أجزائنا القادمة سوف نستمر أن شاء الله قي سرد هذه الرحلة الجميلة لسيدي ومولاي أمير المؤمنين(عليه السلام) والتي هي مدرسة لكل العالم تعلم الأجيال جيلاً بعد آخر بفض النظر عن الدين والعرق واللون والذهب فهي مدرسة للإنسانية جمعاء أن كان لنا في العمر بقية. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المصادر: 1 ـ أسد الغابة / ابن الأثير ٤ : ١٠٠ ، البداية والنهاية / ابن كثير ٧ : ٢٢٣. 2 ـ البداية والنهاية / ابن كثير ٧ : ٢٢٣. 3 ـ تذكرة الخواص : ١٤. 4 ـ البداية والنهاية ٧ : ٢٢٣ 5 ـ انظر تفاصيل ذكره في تذكرة الخواص : ١٤. 6 ـ تاريخ اليعقوبي / أحمد بن أبي يعقوب ٢ : ١٠ ـ ١١ دار صادر. 7 ـ الطبقات الكبرى لابن سعد ٨ : ١٧٨. 8 ـ تذكرة الخواص : ١٠. 9 و 10ـ تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٤. 11 و 12ـ تذكرة الخواص : ١٠. 13ـ [سورة الممتحنة: ٦٠]. 14ـ تذكرة الخواص : ١٠. 15ـ تاريخ اليعقوبي : ١٤. 16 ـ أنظر تذكرة الخواص : ١١ 19 ـ أنظر في ترجمته : الطبقات الكبرى ٤ : ٢٥ ، أسد الغابة ١ : ٤٢١. 20 ـ قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لجعفر : « أشبه خَلقُك خلقي وأشبه خُلُقك خُلقي فأنت منِّي ومن شجرتي » ذكرها ابن سعد في الطبقات الكبرى ٤ : ٢٦. 21 و 22ـ أُسد الغابة ١ : ٤٢١. 23 ـ أنظر : تذكرة الخواص ١٢ ، بتصرف.
24 ـ أنظر تذكرة الخواص : ١٣ ، بتصرف |