بعد الكهرباء.. جاء دور الأمن

 

لا أظن أن الدوافع الانتخابية وحدها كانت وراء العمل الحثيث الذي قامت به الحكومة خلال الأشهر الأخيرة للقفز فجأة من التجهيز القاتل إلى التجهيز الكامل للكهرباء. ولا مبالغة في وصف التجهيز الى ما قبل أسابيع قليلة بأنه "قاتل"، فالعشرات وربما المئات من الاطفال والشيوخ المرضى قد ماتوا على مدى السنين العشر الماضية بسبب انقطاع التيار الكهربائي عن البيوت والمستشفيات، فضلاً عن مقتل العديد من أصحاب المولدات وعمالها في شجارات مع الناس الذين كان يغيظهم حدّ الجنون انقطاع كهرباء "السحب" (الأهلية) عنهم في عزّ الصيف بعدد ساعات يزيد عن عدد ساعات القطع الحكومي.
أعتقد بان الضغط الشعبي الهائل (عكسته وسائل الإعلام غير الحكومية خير انعكاس)، وبخاصة التظاهرات، هو ما كان له تأثيره الفعال ومردوده الايجابي لجهة تخويف الحكومة من مغبة استمرار "النوم على آذانها" لصالح الفاسدين والمفسدين الذين كانوا وراء تعطيل هذه الخدمة العامة الأساس خلال السنوات الخمس الماضية في الأقل. وخوف الحكومة من التظاهرات جسّده لجوؤها الى القمع السافر لتلك التظاهرات وغيرها باستثناء تلك التي نظمها الحزب الحاكم للرد على تظاهرات الشعب ومواجهتها. فمن الواضح أن ما من شيء يثير ذعر الحكومة ورئيسها أكثر من ممارسة العراقيين حقهم الدستوري في حرية التعبير عن الرأي وبخاصة في صيغة التظاهرات. ولابدّ أن هذا راجع الى إدراك الحكومة ورئيسها ان التظاهرات يمكن أن تقلب عاليها سافلها كما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن.
لقد أدّى الضغط الشعبي الى الكشف عن وجود حالات فاسدة صارخة في وزارة الكهرباء بعقد صفقات مليارية مع شركات وهمية أو شبه وهمية، واستيراد محطات لتوليد الكهرباء غير مناسبة لنا في الوقت الراهن في الأقل. وكانت هذه الوزارة الأكثر إقالة أو استقالة لوزرائها من مقعدها الحكومي.
قضية الكهرباء تقدّم دليلاً قوياً على جدوى ونجاعة اسلوب النزول الى الشارع، وجدوى ونجاعة انحياز الإعلام الوطني الى المهنية والى جانب الشعب مهضوم الحقوق، ضد الحكومة الغارقة في بحر الفساد الذي تستقر في قاعه كل مشاريع اعادة الاعمار والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
بعد الكهرباء، بل قبلها، لدينا المعضلة الكبرى: الأمن. وهذه أيضاً ما كان لها ان تستمر حتى اليوم وتتفاقم الى المستوى الخطير الحالي لو لم يكن الفساد حاضراً بقوة في المؤسسة الأمنية، بل الدولة كلها، حكومة وبرلماناً وسلطة قضائية.
نحتاج الآن الى حركة شعبية واسعة وقوية تنزل الى الشارع أيضاً لتضغط على الحكومة والبرلمان والسلطة القضائية من أجل مكافحة الارهاب بجدّ، وتأمين حياة الناس وعمليات إعادة الإعمار والتنمية بجدّ، ومكافحة الفساد بجدّ.