حرق الأجساد وموسوعة غينيس العالمية

 

وانا أتابع من خلال مقطع اليوتيوب الخاص بإحدى القنوات الفضائية الأمريكية وهي تعرض قيام عدد من الأمريكيين بعملية حرق أجسادهم وهم يرتدون الملابس الواقية ضد الحريق وعلى مدى أكثر من نصف دقيقة فقط في مشهد تمثيلي راقص وهم يتمايلون مع الموسيقى الصاخبة ودخان يعتلي قاماتهم وبعد النصف دقيقة يرش عليهم مادة سريعة في إخماد النيران عنهم ليرفعوا قبعاتهم وسط تصفيق الجماهير ورفعهم لشهادة التقدير (certificate ) التي من خلالها يدخلون الموسوعة العالمية غينيس ، هؤلاء الرجل قاموا بهذا العمل من اجل إحدى الجمعيات الخيرية في القارة الأفريقية التي تعني بالأيتام والفقراء وهو عمل غاية في الانسانية ونغبطهم على تلك الروح العالية للدفاع عن المحرومين في العالم وهي خصال ربما نفتقدها حتى في أوساطنا الإسلامية بل من المؤكد ان بعض التنظيمات الإرهابية التي تتشدق بالإسلام هي تفتقد لتلك المشاعر الإنسانية عندما تقتل أطفالنا وبدم بارد على خلاف طائفي او عقائدي او ربما سياسي.
ما أريد الوصول اليه من هذا كله هو الدخول الى موسوعة غينيس بسبب ما قاموا به على مدى ما يقارب الدقيقة!!! ونحن في العراق على مدى ما يقارب العشرة أعوام وأطفالنا ونساءنا وشيبنا وشبابنا يحترقون بنار الارهاب والقتل والدمار والمفخخات بشكل حقيقي دون ان يرتدوا ملابس واقية من الحريق بل أكثرهم عراة الجسد وهم تحت وطأة المفخخات وعُرضة للاجساد النتنة التي تفجر نفسها وسط الابرياء دون ان تحدها حدود جغرافية او منطقة دون اخرى فكل العراق عرضة لنيرانهم الحارقة في كل مكان حتى فواتح الموتى لم تسلم من تفجيراتهم .
موسوعة غينيس العالمية لو أرادت أن توثّق ما يجري في العراق من قتل وتشريد لأسباب تخلو من انسانية الانسان لامتلأت صفحات موسوعتها بالكامل وسوف تحتاج الى كل الكتب التي اغرقها هولاكو في رافدين العراق لتحكي عن تاريخ شعب مزقته نيران الحروب العبثية التي قادتها الانظمة الديكتاتورية وساقت أبناءها زمرا الى لهوات الحرب والموت المجاني كما ستحكي عن واقع مرّ يتمثل بالارهاب الخارجي منذ أن فتح العراقي عينيه على حياة جديدة في عالم السياسة وهو ينظر بعين كلها أمل الى الديمقراطية متطلعا بحياة جديدة حيث تكالبت علينا كل قنوات الشر الخارجي لكي تعبث بمقدرات الحياة وتحولها الى حريق دائم ليل نهار لا يعرف الانسان متى يحين الموت الذي ينتظره بكبسة زر او تفجير عن بعد او يحتضنهم بحزامه الناسف ليتشظى عليهم برائحة الموت النتنة وهي تخرج من جسده لتحرق أجساد الاطفال البريئة الذين نرى في المقابل ان هناك من يدافع عنهم باسم الإنسانية وتحميهم من العوز واليتم والفقر كما يفعل هؤلاء الشباب الامريكان وهم يحاولون حرق أجسادهم تضامنا مع جياع وفقراء افريقيا فأين هو ميزان البشرية بين عفة هؤلاء الشباب وبين تلك الفئة الضالة القاتلة لروح الحياة!!! أليس تلك معادلة مغلوطة ونحن نرى ان المسلم يريق دم أخيه المسلم دون حق .