نظام آل سعود... والمتاجرة بالقضية الفلسطينية...؟ |
فاجأتني المسرحية السعودية، بموقف مملكة آل سعود من اختيارها عضواً لمدة عامين في مجلس الأمن الدولي ممثلة عن قارة آسيا، ومكمن المفاجأة كان في الأسباب التي أعلنتها وسائل الإعلام السعودية، ودفعت المملكة لرفض المقعد على خلفية تقصير مجلس الأمن في حق القضية الفلسطينية وتعامله بمعايير مزدوجة مع حقوق الدول والشعوب التي تزعم المملكة أنها تدافع عنها، وهو كلام حق أريد به باطل.
وللذين يريدون التمحيص في التصرف السعودي وأسبابه الحقيقية... فهي المرة الأولى التي تلجأ بها سلطات آل سعود إلى هذا الموقف ''المحزن المضحك'' على الرغم من مضي نحو أكثر من خمسة عقود على احتلال فلسطين. إنه من الأولى بالأسرة السعودية الحاكمة أن تحاسب نفسها قبل أن تلوم الأمم المتحدة على تقصيرها في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين. فأسرة آل سعود هي من أهملت القضية الفلسطينية وفرطت بحقوق الشعب الفلسطيني، وكلنا يتذكر محاولة الملك السعودي عبد الله في قمة بيروت العربية تمرير مبادرته للسلام مع إسرائيل دون أن يدرج حق عودة الشعب الفلسطيني إلى أرضه فيها، كما أن الأسرة السعودية تستمر بتمويل بناء مستوطنات الاحتلال الصهيوني من فوائد أموالها المنهوبة من مقدرات الشعب السعودي الموضوعة في البنوك الأميركية. فالنهج الذي اختطه نظام آل سعود، والمنخرط في إطار رؤية إقليمية ودولية تتناقض مع المصالح العربية، تجاه المسائل التي تتعلق بالأمن القومي العربي كان من الخطورة بمكان، وعرض هذا الأمن ليس لاختراقات هنا وهناك فحسب، بل لنكبات عديدة ساهمت في شرذمة الوضع العربي وتهميش القضايا القومية، وإضعاف الشعور بهذه القضايا إلى أبعد الحدود. في سياق إلقاء الضوء، وتعرية المعرى، وليس بعيداً عن الاصطفافات القائمة، وبخاصة فوق مساحة معينة من هذه الأرض، ومن المهم تسليط الضوء على حكام (الحجاز ونجد) بوصفهم قاطرة العمل التآمري على المشروع المقاوم. ولكي لا تأخذنا التفصيلات، لابد من التركيز على بنية النظام السعودي، فهو نظام ديني، رجعي، أعرابي، متخلف، ليس له شبيه في العالم، فهو الأكثر رجعية، ولوذاً بالشوارع الخلفية فيما يتعلق بقضية فلسطين، وقد استطاع أن يبعد واقع ما هو عليه عن تسليط الضوء بالمال لا بأي شيء آخر، واشترى سكوت الذين يختلف معهم، عربياً، بالمواقف السياسية تارةً، وبصرف الأنظار عنه تارة أخرى، وكأنه كتلة مستقلة، معزولة، لا علاقة لها بما حولها، وهذا مخالف لسنن الحياة وتشابكاتها، وليس خافياً الدور الذي قام ويقوم به النظام السعودي، فهو حريص على إبقاء الأمور كما هي في مجتمعه، مظهر إسلامي، كابح، وسلطة ملكية وراثية، وضخ للبترول إلى حيث الآلة الغربية، وإبقاء المجتمع على ركوده، وكأن ما هو عليه هو الحالة الدينية والدنيوية المثلى، بل والتي لا يجب مسها، بسبب ما يخلع عليها وعلى نفسه من قيم ذات مواصفات دينية. في (أيلول 1932)، أعلن عبد العزيز آل سعود، نفسه ملكاً على السعودية، معتمداً على أنصاره البدو من الحركة الوهابية المتزمتة في تثبيت دعائم حكمه. واعتبر الملك الجديد نفسه الحامي لأرض الإسلام، كسباً لولاء الشعب، الذي لا يجمع فيما بينه أي ولاء مشترك. وقد وفر النفط للعائلة المالكة نشوء علاقات قويّة مع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية. حيث قام عبد العزيز بإنهاء سيطرة بريطانيا على موارد النفط في بلاده، وفتحها للشركات الأمريكية، تلبية لطلب الرئيس الأمريكي (فرانكلين روزفلت) الذي التقاه على ظهر الطراد (كوينسى) في البحيرات المرة في مصر، وحدثه آنذاك عن البترول وفلسطين معاً. كان الملك عبد العزيز محرجاً حين طالب الثورة الفلسطينية عام (1936) بإيقاف هجماتها على القوات البريطانية، اعتماداً على وعد بريطاني وهمي بالحد من هجرة اليهود إلى فلسطين، ولم تتوقف حينها هجرة اليهود. فقد لعب الملك عبد العزيز دوراً في إقناع زعماء فلسطين، وعلى رأسهم الحاج الحسيني من أجل إيقاف انتفاضة (1936) نزولاًَ عند رغبة بريطانيا. على أمل أن تستجيب لمطالب العرب في إيقاف الهجرة اليهودية إلى فلسطين. نَشر القائد طه الهاشمي في مذكراته في جريدة (الحارس) البغدادية، وكان رئيساً للجنة العسكرية المنبثقة سنة (1947 ـ 1948) عن جامعة الدول العربية للإشراف على حرب فلسطين. قال الهاشمي: (إنّ الحكومة السعودية أبرقت للجنة العسكرية عن أسلحة معدّة لإنجاد فلسطين موجودة في ''سكاكة'' بالصحراء السعودية، فأرسلت الحكومة السورية طيّارات عسكرية فأحضرت تلك الأسلحة لدمشق، وسلّمتها إلى المصنع الحربي التابع للجيش السوري لفرزها وتبويبها، فإذا هي أسلحة عتيقة متعددة الأنواع، والأشكال، فيها الموزر والشنيدر، والمارتيني...، وفيها بنادق فرنسية، وإنجليزية، وعثمانية، ومصرية ويونانية، ونمساوية وكلها بدون مخازن وكلها صدئة ''خردة'' لا تصلح لقتال). لم يقم الموقف السعودي إلى القضية الفلسطينية، لاعتبارات قومية أو إنسانية، وإنما شكلت الاعتبارات الدينية أساس موقفها تجاه ما يحدث على أرض فلسطين، وفي جوهرها المسجد الأقصى الشريف الذي يعد المساس فيه مساساً بالمسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف. فخلال الخمسينيات والستينيات، وضعت العلاقات السعودية ـ الأمريكية، العائلة المالكة في موقف مناقض للمد القومي العربي بزعامة جمال عبد الناصر. ففي عام (1964)، تولى حكم المملكة، فيصل، بعدما فشل أخوه سعود خلال فترة حكمه التي امتدت سبعة شهور، تولاها بعد وفاة والدهما عبد العزيز. فقد قاد فيصل المملكة في الفترة التي كانت تشهد المد القومي العربي، وحاول السير في طريق متوازن بين الولاء للعالم العربي والحفاظ على مصالح المملكة الخاصة. ففي تلك الحقبة، أثار الشعار الذي رفعه القوميون العرب (بترول العرب ملك للشعب العربي) مخاوف الشعب السعودي التي تجعل من نفطهم ملك لكل العرب. وأيضاً مخاوف الأسرة المالكة، التي كانت ترى في فلسفة الاشتراكية العربية خطراً على مصالحها، كونها مع توزيع ثروات البترول العربية على كل العرب. فالتغيرات الجذرية التي أصابت العديد من أنظمة الدول العربية خلال الخمسينيات والستينيات، مترافقة مع صعود جمال عبد الناصر والوحدة مع سوريا، وسقوط النظام الملكي في العراق. جعلت الملك سعود يقع في مؤامرة هزلية لاغتيال جمال عبد الناصر، زادت من النقمة الشعبية للجماهير العربية على آل سعود، ومن عزلة المملكة. وفي الوقت الذي كان فيه الثوريون العرب يعملون على تدعيم روابطهم مع الاتحاد السوفييتي، كان آل سعود يعملون على توثيق علاقاتهم مع الولايات المتحدة الأمريكية. عمل فيصل تدريجياً على خروج المملكة من عزلتها، وحاول السيطرة على شؤون البلاد الخارجية. كما لجأ إلى استخدام الدين، (الإسلام) كسلاح ودرع واق في وجه عبد الناصر. وتجلى الصراع بين راديكالية عبد الناصر وخط فيصل المحافظ، أما على أرض اليمن، ففي عام (1962) شهد هجوم جنوب اليمن الماركسي ضد الشمال الذي تجمع للدفاع عن إمامهم، محمد البدر، فدعم عبد الناصر الجنوب بإسم الثورة والقومية العربية مقابل دعم فيصل للإمام. واستمر القتال خمس سنوات وضعت فيها السعودية أموال النفط في وجه عبد الناصر، وانتهى القتال بهزيمة عبد الناصر في عدوان (1967)، التي أدت إلى القضاء على سطوة الدول الراديكالية كلها. ورغم أن الهزيمة أصابت العرب جميعهم، إلا أن الشغل الشاغل لآل سعود، لم يتعد قضية القدس، وهو ما كان يشغل بالهم أكثر من قضية الفلسطينيين وأرضهم الضائعة. ففي نفس العام، قام فيصل بزيارة لندن لعلمه بالهجوم الإسرائيلي المؤقت الذي سوف تشنه على قطاع كبير من الدولة العربية حتى يتغيب عن الأحداث. وبعد رجوعه من لندن، في اليوم (7 حزيران)، وعندما كانت الطائرات الإسرائيلية تقصف المطارات السوريّة والمصرية وجيوشها وتتقدم لاحتلال الضفة الغربية وسيناء والجولان، كان فيصل يقنع الشعب باحتفال جماهيري أقامه في ملعب السباق بمناسبة عودته من بريطانيا بصداقة الدول الغربية. فما كان من الجماهير الموجودة إلا أن رددت شعارات حماسية تدعو فيها لموت لأمريكا، وسقوط الغرب، وللمعتدين والمتواطئين، كما طالبوا بقطع البترول عن المعتدين. فما كان من فيصل إلا أن هرب من البوابة الخلفية. كتب الملك حسين في كتابه (حربنا مع إسرائيل) عن الملك فيصل: (إن الإمدادات السعودية دخلت الأردن بعد الحرب وحين انتهى كل شيء). بعد هزيمة حزيران، لم يعطِ الفلسطينيون الدول العربية الفرصة لكي ينسوا قضيتهم، وولد شعور الهزيمة وفقدانهم الأمل بقدرة العرب على تحرير أرضهم إلى تفجير طاقات الشباب الفلسطيني الثائر في مخيمات اللجوء، ليعلنوا الحرب الشعبية ضد كل من يتوانى عن دعم مطالبهم في وطنهم فلسطين. ولم يكن أمام النظام السعودي الحليف للنظام الأمريكي الداعم الأول لـ(إسرائيل)، إلا الدفاع عن نظامهم وتوزيع النفط وعلاقاتهم مع الأمريكان. فكان على حكام آل سعود دعم الفلسطينيين ليحموا أنفسهم من هجمات الفدائيين التي قد تصيب المصالح الأمريكية على أرضها. فما كان من فيصل إلا أن طلب من حليفه الرئيس الأمريكي نيكسون السعي لإيجاد حل دبلوماسي للصراع العربي ـ الإسرائيلي، لأن إطالة النزاع ستشكل خطراً على العلاقات الأمريكية ـ السعودية. وفي الوقت نفسه، بدأ يضخ الأموال لحركة فتح، ودعا كذلك إلى مقاطعة البضائع والشركات العربية التي تتعامل مع (إسرائيل). كان الملك فيصل يأمل بأن يؤدي السلام إذا ما حل بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى إخماد الراديكالية العربية، وإضعاف نفوذ الاتحاد السوفيتي في المنطقة. فقد اعتبر نفسه الملك المسلم الذي يحارب الشيوعية في العالم العربي. ومع موت عبد الناصر وترأس السادات مكانه، أسهمت السعودية في إبعاد مصر عن الاتحاد السوفيتي. ففي (تموز 1972)، ومقابل طرد السادات للروس من مصر، قام فيصل بزيادة المعونة السعودية السنوية لمصر، وجمع ما يقرب من (500) مليون دولار من دول الخليج الأخرى لشراء الأسلحة لمصر و(450) مليون دولار لتدعيم ميزان المدفوعات. وفي صيف (1973) توجه فيصل للقاهرة ليؤكد أن السعودية سوف تفرض حظراً بترولياً على الدول المؤيدة لـ(إسرائيل) إذا قامت مصر بمهاجمة (إسرائيل) في الأراضي التي احتلتها عام (1967). رغم أنها في السابق، رفضت تسليم عبد الناصر سلاح النفط، لكنها لم تبخل على السادات بذلك، كونه أبدى استعداده للتفاهم مع السعوديين مقابل إنقاذ بلاده اقتصادياً، فالسادات لم يكن يمثل تهديداً لهم، وقد اتضح بعد ذلك أن السادات أرادها حرباً من أجل توقيع (كامب ديفيد) على عكس السوريين الذين أرادوها تحريرية وخذلهم السادات. في حرب تشرين (1973)، كان هناك خط تلفوني مباشر بين القاهرة والرياض، وكان السعوديون يراقبون سير الحرب. وفي الأسبوع الثاني منها، مع بداية التراجع وتزايد الخسائر للجيوش العربية، وتخصيص نيكسون (2.2) بليون دولار كمساعدة عسكرية لـ(إسرائيل). ذعر فيصل من أن تتعرض المملكة لعزلة عربية في بحر الغضب العربي من الموقف الأمريكي، فبدأ الحظر النفطي وارتفعت أسعار البترول بشكل جنوني، وأصرت الدول المنتجة بأنها ستستمر بقطع النفط حتى يتوقف الدعم الغربي لـ(إسرائيل). ولكن الأمر لم يطل، فالملك فيصل يدرك وعائلته المالكة بأن أمريكا هي الحاضن والداعم لهم في وجه أعدائهم الداخليين والخارجيين. فمع فصل القوات المصرية والسوريّة والإسرائيلية، وجهود كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي المستميتة، رفعت السعودية الحظر عن النفط. حين ناشد كيسنجر الملك فيصل لكي تعيد السعودية ضخ البترول، بحجة أن حظر النفط يقف عقبة في طريق الجهود الأمريكية من أجل عملية فك الاشتباك في حرب تشرين (1973). لقد رفع حظر النفط من قيمة هذا البلد في نظر أمريكا، وأصبح الدفاع عن نفطه واحد من أهم بنود سياستها في الشرق الأوسط. واكتشف العرب بأن نفط العرب هو ليس لكل العرب وأن ثروات السعودية لن تنتقل إلى الأمة العربية إلا على شكل مساعدات وهبات للحكومات العربية. وقد لخص أحمد الشقيري الرئيس الأول لمنظمة التحرير الفلسطينية حالة الإحباط بقوله: (لقد انتصر بترول العرب على العرب). شكل العام (1973) سنة ظهور السعوديين دائرة الضوء، وبدأت تحاول أن تجد لها مخرج بعيد عن مطالب العرب التي لا تنتهي، في الوقت نفسه كانت خشيتها مستمرة من غضب الفلسطينيين. ولم يجد فيصل مخرجاً إلا في تدعيم وضعه باعتباره الزعيم للمحافظين الدينيين الإسلاميين، واعتمد الإسلام منهاجاً في سياسته الخارجية. ودعم موقفه في كتاب لأحد الأصوليين يدعو فيه لإحياء الخلافة الإسلامية بزعامة فيصل، وعبأ السعوديون أموالهم كحماة لمكة والمدينة، وأصبح رمز تلك الفترة (البترو ـ إسلام)، التي انتهت بمقتل فيصل عام (1975). مع توقيع مصر اتفاقية (كامب ديفيد) عام (1978)، وقف آل سعود عاجزين عن اتخاذ قرار في اللحاق بمصر بركب السلام كما توقعت الولايات المتحدة الأمريكية. وأصبح موقف السعودية حرجاً جداً ما بين الاستجابة لرغبة أمريكا أو الوقوف لجانب الدول العربية التي تجمعت ضد مصر. وابتعدت السعودية نهائياً عن الظهور أمام الرأي العام العربي. لتواجه بعدها الثورة الإيرانية عام (1979)، التي قادها الخميني مبشراً بالخلاص، وتطهير عالم الإسلام من الشيطان الأكبر (أمريكا)، الحامي الأول للنظام السعودي. كان الخوف السعودي من انتفاضة داخلية للشيعة في المنطقة الشرقية، وأصبح الخطر الذي يهدد النظام الذي يستمد شرعيته من الإسلام واقعاً فعلياً. وأصبح الخوف من الإسلاميين المتشددين أكبر من موجة المد القومي في الخمسينيات والستينيات. لقد كان اتهامات آية الله لهم بأنهم الفاسدين الآثمين لا يستحقون تولي شؤون الحج والكعبة. لهذا وقفت السعودية إلى جانب صدام في حربه ضد إيران عام (1980)، وتدفقت الأموال السعودية لمساندة الجهود العسكرية العراقية. لم يكن من الصعوبة على المملكة أن تحتفظ بهويتها العربية، واتفاقياتها الدفاعية الأمريكية تبقى بعيدة عن الأنظار. وبالنسبة إلى القضية الفلسطينية، عام (1981) قدم الملك فهد الذي خلف خالد مبادرة للسلام، لحل الصراع العربي ـ الإسرائيلي، كانت وما زالت السعودية ترى أن القضية الفلسطينية هي سبب عدم الاستقرار في الشرق الأوسط. كانت مبادرة فهد ترتكز على (8) نقاط: دعت لانسحاب الإسرائيليين من الضفة وغزة، وتفكيك المستوطنات الإسرائيلية في تلك الأراضي التي بنتها (إسرائيل) منذ العام (1967). بناء دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. والتعويض العادل فقط للفلسطينيين الذي أخرجوا بالقوة من أراضيهم عام (1948). لقد اعتبرت السعودية بأن المبادرة التي قدمتها عادلة، وتقدم حلولاً عادلة لكلا الطرفين. وانتابها شعور بالإحباط لتجاهلها من حليفتها الولايات المتحدة، وعدم قبولها من (إسرائيل). ومع هذا لم يكن العراق ذو النظام البعثي يثير الراحة لدى النظام الملكي السعودي، وكانت لا تزل تبحث عن بديل للعروبة. ووجدوا المخرج بمجلس التعاون الخليجي، الذي تأسس عام (1981) بتوجيه آل سعود وإشرافهم. وقد وضح آل سعود بأنه ليس جزءاً من الجامعة العربية، وليس بخارج عن الروابط التقليدية للسياسات العربية. لقد تركت حرب الخليج الأولى آثاراً على السعودية حين أصبحت في وجه كل من إيران والعراق. صحيح أن السعودية لم تطبع مع الكيان الصهيوني، لكنها قبلت بوجوده واحتلاله لأرض فلسطين. ففي خطة فهد للسلام، دعا للحصول على حق كل دولة في الشرق الأوسط للعيش بسلام. وبالتالي فالمملكة مستعدة للاعتراف بـ(إسرائيل) إذا ما نفذت جميع النقاط من خطة فهد المتعلقة بالفلسطينيين. فوجئ السعوديون بتوقيع اتفاقية أوسلو، وأبدوا تحفظهم عليها، انطلاقاً من شعورهم بالغبن، لتجاهل الجميع مبادرة الملك فهد الذي يعتب بأنها قدمت شروطاً أفضل للفلسطينيين من أوسلو. ولم تمضِ سنة، حتى زار رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عرفات، الرياض وكانت أول خطوة للتقارب بين الطرفين في أعقاب أزمة الخليج (1990 ـ 1991). وفي العام (1995)، كانت المملكة العربية السعودية أول دولة عربية تعترف بجوازات السفر الصادرة عن السلطة الوطنية الفلسطينية. كما وافقت لاحقاً على استيراد السلع التي تنتجها أراضي تابعة للسلطة الفلسطينية. مع انتفاضة الأقصى عام (2000)، قدم الملك عبد الله في قمة بيروت عام (2002)، مبادرة السلام العربية، وتبنتها الدول العربية كمشروع عربي موحد لحل الصراع العربي ـ الإسرائيلي. وتتلخص المبادرة فيما يلي: الانسحاب من الأراضي المحتلة حتى حدود (4 حزيران) والقبول بقيام دولة فلسطينية في الضفة وغزة وعاصمتها القدس وحل قضايا اللاجئين وفق قرارات الشرعية العربية. مقابل قيام علاقات طبيعية بين الدول العربية و(إسرائيل). بعد خروج العراق من النظام الإقليمي العربي، ومحاولات فرض عزلة على سوريا نتيجة الضغوط الخارجية عليها، وتراجع الدور المصري في القضية الفلسطينية، وتحول مصر إلى وسيط بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وأخيراً بين الفلسطينيين أنفسهم. أدى هذا لبروز الدور السعودي في المنطقة في عهد الملك عبد الله، دون أن يكون ذا أثر فاعل بما يؤدي إلى تحقيق مطالب الشعب الفلسطيني التاريخية في أرضه، ولم يتعد الدور السعودي أكثر من ظاهرة صوتية، ودفق الأموال في فترات محددة لتبرز كدور راع للسلام. رغم قدرتها فيما لو أرادت لتغير وجه الصراع العربي ـ الإسرائيلي لصالح العرب، فيما لو استخدمت النفط كسلاح سياسي. وأخيراً وليس آخر، بالرغم من كل ما حققته القوى الاستعمارية وذراعها الوهابية السعودية المتآمرة على القضية الفلسطينية إلا أن أبناء الأمة العربية والأغلبية العظمى من الشعب العربي ما زالت متمسكة بحقها وإن أبناءها الأحرار اختاروا التمسك بجوهر الصراع في المنطقة والأخذ برأي الجماهير العربية ولم يصابوا بالعمى السياسي الذي أصيبت به معظم الحكومات العربية وعلى رأسها مملكة الخليج الوهابي وبعض مدعي الثقافة والفكر الذين باعوا أنفسهم لأعداء وطنهم، و أصبح رأي الجماهير وخيار الأمة هو خيار المقاومة العربية الذي أثبت جدارته عبر التاريخ العربي قديماً وحديثاً، فقد علمنا تاريخ البشرية، وتاريخ شعبنا المقاوم أن الحقوق لن تعود لأصحابها والمستعمر لن يغادر أرض الوطن إلا بالمقاومة. فإرادة الشعب هي الأقوى والمنتصرة وهذا ما يثبته أبناء العروبة اليوم ويعلنون أن القضية باقية في وجدان وضمير أبنائها من الفلسطينيين والشرفاء من أبناء الأمة، وأن الأجيال العربية الشابة هي أكثر تمسكاً بحقوقها ولن تستطيع كل أنواع التضليل أن تمحي من الذاكرة الشعبية فلسطين وحق العرب فيها... وأن شعبنا العربي وفي مقدمته الفلسطينيون لن يتخلوا عن أرضهم وحقوقهم وستبقى جذوة المقاومة متقدة حتى تتحرر كل الأراضي العربية المغتصبة وفي مقدمتها فلسطين وإعادة الحقوق المشروعة كاملة غير منقوصة.
|