اصبحت السيارات المفخخة وتفجيراتها في المدن العربية عموما، وفي الدول الجمهورية منها خصوصا، خبرا يوميا في وسائل الاعلام، عاديا وليس مفاجئا او غريبا، حتى اصبح في داخل او في اخر نشراتها الاخبارية او في زوايا غير بارزة من هذه الوسائل، وليس في مانشيتاتها او صفحاتها الاولى. ماذا يعني هذا؟ ومن يفخخ هذه السيارات؟ ولماذا؟. يعني من بين ما يعني ان اخبار السيارات المفخخة في الفترة الاخيرة اصبحت اكثر من المعتاد. اغلب المدن ولاسيما العواصم المشرقية من الجمهوريات، بغداد، دمشق، بيروت، وصنعاء وعدن وغيرها، ويمكن الحاق مدن اخرى او مناطق عربية، كتونس، او بنغازي الليبية او سيناء المصرية او طرابلس اللبنانية او ادلب السورية، وغيرها ايضا.. تعرضت وتتعرض لمثل هذه الحوادث المؤلمة والمأساوية. سيارات مفخخة تفجر في الاسواق العامة والمدارس ودور العبادة الدينية والشوارع المكتظة بالسكان المدنيين الابرياء، من كل الاعمار والأجناس، لا تمييز بينها ولا تفريق. في المناسبات الوطنية او الدينية او بدونها. وتذاع عنها بيانات تحصي أعداد القتلى/ الضحايا/ الشهداء، والجرحى، وكأنه كفى الله المؤمنين شر الحساب والمسؤولية وعقبى الضمير!. وتكتفي الجهات المسؤولة بالإدانة والشجب والاستنكار وترافقها خطابات احزاب وكتل ومنظمات وما شابهها وتليها محاولات الانكار او التبجح بالخطط الامنية وخطط اضطهاد المواطنين الذين لم يفجعوا بعد بمثل تلك المفخخات، ومن ثم تأتي فضيلة/ كارثة النسيان الرسمي. من يقوم بالتفخيخ؟ من يستفيد من نتائجه؟ كم تكلف السيارة الواحدة ماليا؟ وهذا المجرم الذي يقوم بتفخيخها وتفجيرها، لوحدها او بنفسه، من اين جاء؟ ما هو نوعه، عقيدته ومذهبه، تربيته وبيئته التي دفعته الى هذا المصير؟، ولماذا وصل الى هذه النتيجة والوسيلة والجريمة المنكرة؟. الاتهامات الرسمية جاهزة لتوصيف هذه الجرائم المنكرة؟ هذه الحوادث الوحشية؟، هذا العنف والتطرف الارهابي!. ارهابيون وتنظيم القاعدة وبقايا الانظمة السابقة التي قدمت في فترة حكمها الطويلة كل التسهيلات الى ما وصلت اليه الاوضاع بعد التخلص منها، وغير ذلك من الاتهامات والتوصيفات المتتالية والتي تتكرر هي الاخرى دون تحقيق دقيق وتحليل موضوعي وتنبه مطلوب ووعي بالمخاطر والأسباب والدوافع والحاضنات وتداعياتها وتأثيراتها المتوالية منها ومن مثيلاتها. بالتأكيد لم تكن اغلب هذه الاتهامات خالية من الصحة في مصادر هذه الكوارث، ولكن السؤال او الاسئلة بعدها.. اين الاجهزة الامنية والمؤسسات والرقابة والتفاعل الوطني والإحساس المسؤول بالمشاركة الوطنية وتحمل تبعات ما يحصل ويحدث للشعب والوطن؟!. من المسؤول المباشر عما حصل وحدث؟ من يعيد للعوائل المنكوبة بالضحايا والجرحى شيئا من امل الخلاص من تكرار الجرائم والعيش بأمن وأمان في بلاد ابتليت بكل هذه الكوارث؟. الاوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية في الجمهوريات العربية منذ سنوات تعاني من تدهور واضح بسبب السياسات الدكتاتورية والاستبداد والفوضى والفساد الاداري والمالي وتخريب الليبرالية الجديدة في الاقتصاد وتعميق التفاوت الاجتماعي والاقتصادي وتفاقم حالات التهميش والإفقار للفئات والطبقات الواسعة، الفقيرة والوسطى، وغياب الوضوح في فصل السلطات ومحاولات او التخادم المباشر والمعلن بين السلطات المحلية والقوى الاستعمارية ومشاريعها الامبريالية التوسعية، وطول المكوث في المراكز دون تجديد وتحديث وتغيير منهجي وتطوير مستمر للبنى والعلاقات المتبادلة بين اطراف الحكم والدولة، هذه وغيرها من سمات وطبيعة التحولات الانتقالية مع تطورات اخرى تركت بصماتها على اشاعة العنف بأشكال متعددة ومختلفة وبأساليب دموية تعكس تركيب القائمين به والمروجين له والمصرين عليه. الخلاصة صورة سوداء للواقع العربي ولدت بيئات حاضنة للسيارات المفخخة وتنوع التفجيرات الارهابية. وهي وقائع يوميات الخراب العام الذي يهيمن على صورة هذه البلدان ومعاناة الشعوب منها. علما ان الجرائم المنظمة تحمل اهدافا سياسية وغايات مقصودة وأبعادها ابعد من تنفيذها وتوزعها في خرائط مطلوبة ومدروسة. بلا شك هذه بعض الاسباب. ولكن وراء كل ذلك عوامل اخرى كثيرة وعديدة وأبرزها اضافة الى سياسات تلك الدول الاقتصادية والأمنية، صراع العلاقات البينية بين القوى السياسية المتنفذة وارتباطاتها ورهاناتها الخارجية. يضاف لها ما تمارسه بعض الدول العربية الثرية، التي تحيط بهذه الجمهوريات وتملك وسائل التأثير للتخريب والتدمير فيها، من خلال المال وقابلية الوقوع في خداعها ومراميها في زيادة صب الزيت على النار. كما ان توظيفها وكالة وتفاخرها بها تزيدها براعة في تحقيق ادوار ومخططات القوى الغربية الاستعمارية. ولم تعد سرا مثل هذه الاجراءات. بل وصلت الى تسريب معلومات عنها الى وسائل الاعلام، كما نشرت صحيفة الغارديان البريطانية رسائل للسفير الامريكي السابق في بغداد كريستوفر هيل وإعلانه اسم دولة وراء ما حدث في زمنه في العراق مثلا. واعترف وزير خارجية تلك الدولة علنا بدور بلده في اكثر من تلك التي اشار اليها السفير الامريكي. تضاف الى هذه التدخلات الاجرامية وعصابات البلاك ووتر اسباب اخرى تعكس بعضها نسب البطالة والفقر وأثرها في تجهيز البيئات الحاضنة للإرهاب والعنف. منظمة العمل الدولية مثلا شخصت في تقرير لها عن الاجور وتأثيرات الازمة الاقتصادية العالمية تصاعد نسب البطالة والبحث عن العمل في العالم، ومنها البلدان العربية، ولاسيما الجمهوريات. أوضحت في تقرير لها أن أخطر مخاوف ارتفاع معدلات البطالة، يأتى من النسبة المقلقة لبطالة الشباب، حيث أشار التقرير إلى أن إجمالي ما يتقاضاه الفقراء بين المشتغلين يتراوح من 1.25 إلى دولارين فى اليوم، وهى الأرقام التى تشير إلى "خط الفقر المعتدل"، أما الفقر المدقع فهو "تحت خط الفقر"، المقدر بـ 1.25 دولار أمريكى يوميا. ورغم بعض التحسن في سوق العمل في بعض البلدان العربية إلا ان المؤشر العام مازال بائسا ولاسيما في القطاع الخاص، وحذر التقرير من تبعات لهذه الأوضاع، وإمكانيات حدوث اضطرابات اجتماعية وسياسية. كل هذه العوامل والأسباب وما خفي منها يكشف بؤس وهشاشة الاوضاع والسلطات، ولابد من منهج تغيير شامل لمفاهيم الدولة وأسس العدالة والقانون والديمقراطية وحقوق الانسان، وبدون ذلك يظل السؤال قائما!.
|