جَنتِ التظاهرات ثمارها.
سعادة الشخص الذي سقطت هراوة على ظهره وسببت له ألماً لن ينساه في إحدى التظاهرات المطالبة بإلغاء الرواتب التقاعدية للبرلمانيين، هذه السعادة الممزوجة بتحديات جديدة قادمة لا تصدّق الآن.
يتخيّل هذا الشخص، الذي قد يكون أحدهم أنت أيها القارئ، أو أنك ستكونه يوماً ما، أن هذه الهراوة سقطت الآن على ظهور الذين يحرضون على الضرب لمجرد أن أشخاصاً تظاهروا. لأنهم طالبوا بحقوقهم المسلوبة على مدى عقود من طرف حكومات عراقية متفاوتة في مستوى بوليسيتها وسرقاتها.
أصبح الفيس بوك، بعد بث خبر إلغاء رواتب البرلمانيين التقاعدي بأثر رجعي، كأنه صالة أعراس. حقّق الذين سهروا من أجل دعوة العراقيين إلى التظاهر في الساحات العراقية مبتغاهم أخيراً.
كنت من المعترضين في قرارة نفسي على مطالب إلغاء الرواتب التقاعدية للنواب والدرجات الخاصة فقط، لأنها مطالب، بطبيعة الحال، قليلة وفق السرقات التي تقوم بها الأحزاب الحاكمة والتي يعرفها الجميع، لكني كنت مناصراً لها لأنها مطلب مشروع، وواقعي. لكن المطالب يجب أن تستمر وأن يرتفع سقفها أكثر، حتى نصنع العراق الذي يحلم به الجميع.
العراق الذي لا يضيع فيه حق لمواطن، ولا ينام على رصيفه فقير، ولا تجوع فيه أرملة أو يتيم. العراق الذي يؤمِّن تعليماً ينافس فيه الجامعات الكبيرة في العالم، والذي يربّي أطفالا يكتبون ويرسمون أشياء تليق بأعمارهم، بدلا من رسمهم لدبابة أو ميّت مضرّج بالدم.
لم تخرج الأحزاب ولا جماهيرها التي ترفع لواء النصر الآن بإلغاء الرواتب التقاعدية إلى الساحات، وظلّت صامتة، وداهنت مناصريها بالصبر على البلاء. صمتت في السابق، بينما تحاول الآن سرقة جهود أولئك الشبان الذين عانوا صيفا قائظا، وشتائم من رجالات الأمن الذين وقف بعضهم إلى جانب الظلم.
النواب الآن أصبحوا من "الدائحين أو الدائحات" بحسب تعبير النائب مطشر السامرائي، وأصبح المجتمع العراقي خارج هذا المصطلح طالما أنه حقّق، بضغوطه وحده، مبتغاه الذي خرج من أجله.
هل لكم أن تتخيلوا فرحة الرجل وزوجته وأطفاله الذين خرجوا بالبصرة في شارع خال إلا من حناجرهم المطالبة بإلغاء هذه الامتيازات. إنها سعادة صغيرة، لكنها ستكبر إذا استمرت هذه الحراكات. ستكبر وتكبر معها الآمال بعراقٍ حقيقي.
لا ينقصنا، نحن العراقيون المظلومون، إلا الكثير من الأمل، بعد أن سلبنا إياه ساسة يقامرون حتى بحياتنا. والقليل من العمل على احتجاجات وتظاهرات وإضرابات.
لا ينقصنا، ونحن الذين عرفنا طريق السخرية من مسؤولينا بـ"بواسيرهم" وأولادهم "الرامبوات"، وعرفنا أيضا طريق الغضب، وتحويل خوفنا من الموت إلى مطالب قابلة للتحقق، إلا التكاتف، وترك الخلافات المذهبية، التي تعوّل عليها الأحزاب الإسلامية من كلا الجانبين، جانباً.
لا يجب أن يبقى في هذا البلد مصنع متوقف، ولا شخص عاطل عن العمل، ولا شاب بلا دراسة، ولا مريض بلا علاج. كل ما في هذا البلد هو مال يجب توظيفه بشكل صحيح، حتى النفايات التي نتركها على أبواب منازلنا هي أموال تضاف إلى النفط والسياحة.
أموالنا نحن الذين حرمنا منها طيلة عمر الدولة العراقية.
يجب أن يعود المال لأصحابه، وما هؤلاء الساسة إلا موظفين وضعنا أصواتنا في صناديق الاقتراع ليسيروا أمور الدولة، ويأخذوا على عاتقهم تطويرها، وليس ليسلبونا حقوقنا وحرياتنا.
فقط المزيد من الأمل، والقليل من العمل.