وزارة التعليم العالي... پيروقراطية متخلّفة!

 

 

 

 

 

 

إنَّ الحالة ألتي أطرحها في هذه السطور ليست جديدة، إنّما الجديد هو ما يَظهر بين فترة وأخرى من قرارات وتعليمات تزيد من تعقيدات الروتين المتخلِّف المُتّبَع في دوائر الوزارت العراقية بدلاً من التخلّص منه وإتباع الأساليب الحديثة في سرعة إنجاز معاملات المراجعين. إستفحال تلك الظاهرة يعود إلى سببين: الأول هو فقدان ثقافة إحترام الوقت من قِبَل أصحاب القرار، وهذا يدّل على العقلية المتخلفة ألتي يحملها ويتحرك بها المسؤول في الدولة، وللأسف حتى الوسط الإجتماعي العراقي مُصاب بهذا المرض وهو ليس حالة شاذة، فجميع مجتمعات البلدان العربية مصابة به. والسبب الثاني هو أنّ المسؤول عندما يصدر هكذا تعليمات، إنّما يبرهن أنه شخص طاريء على الموقع الوظيفي ألذي يشغله وطفيلي على الوسط العلمي ويعاني من عقدة النقص! ... الحديث يدور هنا حول دائرة معادلة الشهادات في وزارة التعليم العالي العراقية. الأمثلة ألتي سأذكرها لا تعني حالات خاصة، ولكن تعبِّر عن ظاهرة عامة إصطدمَت بها جميع الكفاءات العلمية العراقية العائدة إلى الوطن، فمنهم مَن كان يريد الحصول على حقوقه التقاعدية وآخرون يرغبون بالعودة إلى عملهم الأكاديمي السابق... أحد الأساتذة الفُضلاء يحمل لقب الأستاذية بألإقتصاد من لندن، وبألرغم من التحذيرات والنصائح ألتي قُدِّمِت له مِن قِبَل الأصدقاء بعدم الذهاب، إلاّ أنه عاد إلى العراق بناءً على الوعود ألتي تلقاها من أولي الأمر في بغداد الذين صوَّروا له الوضع «گمرة وربيعة»، فبسبب المعاملة السيئة ألتي تلقاها من بعض العاملين في ذلك الجهاز وعدم إحترامهم لدرجته العلمية وتقديرهم لعمره أصيبَ بالجلطة القلبية!! مما دفعه للعودة إلى بلاد الغربة- لندن ألتي يجد فيها مَن يعطيه قدَرَه العلمي والإنساني. الحالة الثانية هي أن الكثير من العائدين بعد أن يكملوا المستمسكات المطلوبة يقدّمون ملفاتهم إلى تلك الدائرة بإنتظار حسم قضاياهم، وهذا يعني الإنتظار لمدة لاتقل عن ستة أشهر! لذلك ولعدم مقدرتهم على البقاء في العراق لأسباب مادية وصحية وفقدان السكن، يقومون بإنجاز معاملة (الوكالة) لأحد الأقرباء أو الأصدقاء لغرض المراجعة والحصول على النتيجة، ثمّ يعودون إلى مِن حيث قدِموا، مع العلم أنّ الدائرة المعنية لديها البريد الألكتروني ورقم الهاتف لصاحب المعاملة، لكن لا وجود لشيء إسمه الإتصال بصاحب العلاقة بريدياً أو تلفونياً وإعلامه بإنجاز معاملته من قِبَل التعليم العالي!.. لقد قام أحد الأصدقاء المخوّل بمراجعة التعليم العالي من خلال الوكالة ألتي يحملها حول معاملة معادلة الشهادات بعد مرور سبعة أشهر على تقديمها للقسم المختص في الوزارة، فتفاجأ بوجود نظام جديد فُرضَ في الآونة الأخيرة، ومختصر النظام الجديد يتلخص بأنّ المُراجع لايمتلك الحق بالذهاب مباشرةً إلى قسم معادلة الشهادات في الطابق الخامس، بَلْ عليه الحصول على رقم المراجعة في الطابق الأرضي الذي فيه مجموعة من الطاولات التي يجلس عندها موظفون يقومون بمناداة المراجعين حسب أرقامهم، والرقم الذي يحمله الصديق كان -437- فبعد مرور أربع ساعات من الإنتظار تمَّت مقابلة 20 مراجع، مما دفَعَ بالصديق إلى صرف النظر عن متابعة إنجاز المعاملة! لديَّ تساؤل عن الشهادة والدرجة العلمية ألتي يحملها أولئك الموظفون ألذين بأيديهم تقرير مصير الكفاءات العلمية، ألا تُعتبَر تلك الممارسات إهانة مِن لَدُن الجهلاء بحق حملة الشهادات الأكاديمية والألقاب العلمية العليا!؟.. إليكم صورة رقم بطاقة المراجعة المهزلة:

لقد أصبحَتْ حقيقة دعوة الكفاءات العراقية واضحة، فما هي إلاّ أكذوبة وعودتهم تعني إزاحة المتنفذين الفاشلين علمياً عن إدارة الدولة وحرمانهم من غنائم السلطة.

أقول لصاحب هذا القرار المتخلف الخاص بالمراجعين، أنَّ الدواوينية «البيروقراطية» هي إحدى سمات الأنظمة الشمولية وتُعبِّر عن نزعة الحاكم الأمّي بالتسلط على مَنْ هُم أسمى منه فكرياً وعلمياً وإدراكاً بدور الكفاءات العلمية في بناء المجتمع والبلد.


د . عبد علي عوض