الإمام الحسين مضغة في أفواهكم

 

كلما أشاهد قناة العراقية أتساءل مع نفسي إن كنت من الماسوشست، أي الذين يتلذذون بالألم وتعذيب أنفسهم، اتابعها نادراً على مضض، لعلي أشاهد منظراً أحن لرؤيته ووجهاً أليفاً، فتطالعني بأقبح السحنات وتريني أبشع المناظر وتسمعني أسوء الأنباء، فأزداد عذاباً فوق عذاب.

بالأمس استوقفني ذكر الإمامين الحسين والعباس عليهما السلام على شاشة العراقية، لم يكن ذلك في سياق خبر عن المرقدين الشريفين في كربلاء أو تقرير عن زيارة ملايين لهما أو ضمن محاضرة دينية، بل كانت أغنية، وسواء كانت وطنية أم شبه وطنية أم مبتذلة، فهي تبقى أغنية، صدح بها مغني على وقع طبل ودف ومزمار، وكأن هذه الإساءة البالغة لإمامينا العظيمين لم تكن كافية فجاؤوا بجوقة من الرجال والنساء، وفي مقدمتهم إمرأة ترتدي سروالاً ضيقاً، وعند ورود إسمي الإمامين على لسان المغني كانت تميل بجسمها ذات اليمين واليسار وتهز رقبتها.

من قبل ذلك خرج علينا النائب في البرلمان العراقي والبعثي التائب حسن العلوي مصرحاً بأن عبد الكريم قاسم شبيه الإمام الحسين عليه السلام في بعض فضائله، مما دفعني للتسائل عن أوجه الشبه بين الإثنين؟ ويبدو أن الكثيرين من العراقيين، وبالأخص من الشيعة، يشاطرون حسن العلوي في تقديسهم لعبد الكريم قاسم، ويدعون إلى تطويبه شهيداً وطنياً، وللرجل محاسن من دون شك، لكن مساوءه أكثر بكثير من حسناته وتطغى عليها، ومن أقبح أفعاله قيادته لإنقلاب عسكري، وما انطوى عليه من حنث بقسم الولاء لقادته، واقتراف أعوانه لمجزرة قصر الرحاب وما تلاها من سحل وتمثيل بالجثث، وإلغاء النظام الديمقراطي الملكي الشكلي بدلاً من تطويره، وتشبثه بالحكم وصيرورته زعيماً ودكتاتوراً أوحداً، واستعماله عصابات القتل والسحل في التخلص من خصومه، وتأسيسه لمحكمة المهداوي المنافية لمباديء العدالة، والتي جعلت من العراق وأهله هدفاً للتندر والسخرية في العالم، وإعادته الزعيم القبلي الكردي مصطفى البرزاني من منفاه في الإتحاد السوفيتي ليحي التمرد الكردي من جديد، وإثارته للخلاف مع إيران حول شط العرب، ومطالبته بضم الكويت، وتشجيعه الأحزاب والحركات الملحدة الغريبة على العراق، ويمكن القول بأنه لولا عبد الكريم قاسم لكان صدام حسين مجرد شقي مطارد، ولما كانت الحرب على إيران واحتلال الكويت والحصار والاحتلال الأمريكي والإرهاب الوهابي والانفصال الكردي والصراع الطائفي وكوارث المالكي.

من عادات قاسم القبيحة أيضاً إلقاء خطبة أمدها ساعتان على الأقل، في مناسبة أو من غيرها، يختتمها غالباً بقرار إعلان اليوم التالي عطلة رسمية للجامعات والمدارس، وكنا نكابد خطاباته الطويلة والمملة والمكررة والمليئة بالسخف لنعرف إن كان سينعم علينا بيوم عطلة، وقد دفع قراره المعروف بـ "الزحف"، والقاضي بإنجاح الطلاب الراسبين في إحدى سني عهده إلى إلغاء اعتراف المؤسسات التربوية العالمية بالشهادات العراقية.

سألنا وزير خارجية عبد الكريم قاسم المرحوم الدكتورهاشم جواد عندما كان مسؤولاً في الأمم المتحدة في بيروت، وكنت وقتها طالباً في لبنان، عن سبب قبوله الاستيزار في حكومة المعتوه قاسم فأجابنا بما معناه: لأوقفه من التمادي في قراراته وتصرفاته العبثية.

كان عبد الكريم قاسم مولعاً بالمغنيين والمغنيات، مثل القائمين على قناة العراقية اليوم، وفي كل احتفال وطني يحضر بنفسه الحفلات الفنية، ويوزع تحياته وابتساماته على "الفنانات" اللبنانيات وفرق الرقص الغربية، وقد نشرت مجلات مصرية صوراً مخجلة يتوسط فيها جوقات الرقص النسائية الأجنبية.

عندما يذكر الإمامان الحسين والعباس عليهما السلام في أغنية مبثوثة من قناة الحكومة العراقية التي يترأسها الشيعي المالكي، وتتراقص على أنغامها نساء، وعندما يشبه نائب عراقي شيعي، ولو بالاسم فقط، الدكتاتور عبد الكريم قاسم بالإمام الحسين العظيم، ولا يستنكر أحد، يتأكد لي بأنكم جعلتم من الإمام الحسين مضغة في أفواهكم.