قد تتبادَر الى ذهنك عزيزي القارئ ، كلمات الشاعر الكبير " مظفر النواب " في قصيدته الرائعة " ليل البنفسج " التي أبدعَ في غناءها " ياس خضر " .. حيث فيها مُخاطِباً الحبيب : ( ... أشلون أوصفكَ وإنتَ " دَفتَر " وآني جِلمة .. ) . لكنك واهمٌ ياسيدي .. ف " الدَفتَر " الذي أعنيهِ ، هو شئٌ آخر تماماً .. وليسَ له علاقة بدفاتر التلاميذ ولا بكُتُبهِم أيضاً ، وليس فيهِ أسطرٌ كثيرة ولا آلاف الكلمات .. بل ان الدَفتر الذي أقصده ، أوراقه خضراء .. يستطيع شراء أشياء جّمة وحتى في أحيان كثيرة ، الضمائر والذِمَم . هنا .. يُدعى المئة دولار أمريكي [ ورقة ] .. والعشرة آلاف دولار [ دَفتَر ] ! . نعم ياسيدي .. عندما تقول دَفتر ، فذلك يعني ببساطة دفتر الدولار . يوم امس ، إستمعتُ عرضاً ، الى الحديث التالي بين شخصَين في الكازينو : الأول : ماذا فعلت بالنسبة الى شُقتِك في " أفرو ستي " ؟ . الثاني : لقد عُرضَ عليّ عشرة دفاتر وثلاثين ورقة .. لكنني طلبت عشرة دفاتر وسبعين ورقة ! . لم أبعها لحد الآن . وأنتَ هل أجّرْتَ محل الطابق الأرضي من عمارتك في " زري لاند " ؟ الأول : نعم ، بدفترِ في الشهر وأخذتُ منه ثلاثة دفاتِر مُقدَما لثلاثة أشهُر .. سوف يفتح معرضا للكهربائيات والسيراميك ! . الثاني ضاحكاً : يعني ، أنك عّوضت مصرف سفرتك الأخيرة الى ماليزيا وسنغافورة ؟ . الأول : أكيد .. وبالمناسبة إشتريت مزرعة كبيرة ، طابو ، على طريق زاويتة بخمسة وعشرين دفتراً .. وسوف نقضي سهرة الجمعة هناك ، ما رأيك ؟ الثاني : جيد ، وماذا وراءنا غير ذلك ! . ومن الشائع هُنا .. تجارة العقارات والشُقق والأراضي والسيارات .. وكُلها طبعاً بالدفاتر ، حيث تُتداوَل أرقامٌ خيالية كُل يوم .. وهذه " الحركة " المتسارعة والمُتصاعِدة ، أبطالها .. طبقة جديدة برزَتْ خلال العشرة سنوات الماضية خصوصاً .. إضافةً الى عددٍ محدود من الأثرياء التقليديين وكذلك الفئة التي صعدتْ صاروخياً بعد إنتفاضة 1991 . مجموع هذه الطبقات ، يُشّكلون " حسب تقديري " .. 10% من المجتمع ، ويتصرفون حسب تقديري أيضاً ، ب 90% من الثروة . ان الخلل الإجتماعي الكبير الحاصل اليوم ، ناتجٌ عن سوء توزيع الثروة .. واللاعدالة المُفرطة .. أدتْ الى تواجد أشخاصٍ يمتلكون الأموال الفاحشة ، حصلوا عليها بالتأكيد بِطُرقٍ غير قانونية وأساليب غير شرعية ( فلا يمكن ان يتحول المرء خلال سنواتٍ معدودةٍ فقط ، من موظفٍ عادي أو كاسب مُتواضع ، الى مليونير يتلاعب بالدفاتر لعباً ، بصورةٍ طبيعية ) . الى جانبِ وجود أكثريةٍ محرومة ، تحصل بالكاد على قوت يومها والحد الادنى من الضروريات الحياتية . من البديهي .. ان تدفُق الأموال السهلة ، من غير جُهدٍ ولا تعب ، على البعض .. وإفتقار معظم هؤلاء ، الى ثقافةٍ تُوازي هذه الطفرة في الموارد .. الى ثقافةٍ تحفظ التوازن النفسي والإجتماعي ، وتُحّصنهم ، ضد الإنحراف والتهّور وإنتهاج الطُرق السيئة .. كُل ذلك يُؤدي ، الى خللٍ خطير في المنظومة الإخلاقية في المُجتمع .. لاسيما .. عندما يكون هؤلاء الطُفيليين ، يُشكلون واجهة المُجتمع ومرآته !. ..................... صديقي الحميم ، يُناكدني أحياناً ، قائلاً لي : .. ان الجماعة يتصرفون وكأن الذي بين أيديهم ، أوراق شجرٍ مُتساقطة في الخريف .. وليسَ دولارات .. فتراهُم يبعثرونها ويستهترون بصرفها ، وكأنها فعلاً مُجّرَد أوراق شجر .. وأنتَ .. لاتملك أحياناً ثمن مشروبك البائس ، فتتذرع بأنك مشغولٌ فلا تحضَر ! .. أو تبحث عن أدويةٍ رخيصة لأمراضك الكثيرة ، لأنك لاتحمل " اوراقاً " ولا " دفاتِر " ! ولأنه ليسَ لك أوراقٌ ودفاتِر ، فأنكَ " اُمّي " ها ها ها.. يا لكَ من غشــــــــــــــــــــــــــــيم ! .
|