يبدو أن أيام العراق تشابهت, فلا عيد يفترق عن يوم عادي, ولا فرح يقتطع لحظات من خارطة الحزن, المرسومة على وجوه العراقيين. عيد الأضحى, ذلك العيد الثاني الذي جعله الله للمسلمين فرحة وسرورا وبهجة, لإكمالهم مناسك حجهم, جاء العيد هذه المرة, كسابقه من أعياد العراق المصبوغة بلون الدم, والمعطرة برائحة البارود والدخان. في لحظات الفرح, التي حاول أبناء العراق اقتطاعها من أيام هذا الزمن المؤلم, وفي مساحات الترفيه التي تعطي النفس فسحة التأمل, كالمتنزهات والساحات والحدائق والأسواق, تجمع الناس في تلك الأماكن, في صورة لَمْ الشمل بعد طول أيام العمل وزحام الانشغال, أناس عزل ليس لهم هم إلا إخراج أنفسهم وذويهم من دائرة "الروتين" اليومي, والتمتع بلحظات استرخاء واستجمام, بصحبة الأهل والأقارب. هؤلاء المجتمعون في تلك الأماكن, لم يدر في خلدهم أن هناك من يكره الحياة, وتأبي نفسه إلا تمزيق الأجساد, لم يدر بخلد الفرحين بالعيد, أن هناك عتاة لا يراعون لله حرمة, ولا يحترمون المقدسات, زمر تحمل الإسلام شعارا وتخالفه أفعلا, تلك الزمر كانت بالمرصاد للفرحة المرسومة على شفاه ذاك الطفل الفرح بالعيدية وتلك الشابة الممسكة بيد خطيبها, وتلك المرأة المنتشية بالتفاف أبناءها حولها, تلك الزمر كانت بحقدها وخبث سريرتها تزرع سيارات الموت في كل أماكن تواجد البسطاء, ففي باب متنزه, ومدخل حديقة, وسوق تجاري, وشوارع, وأزقة, كانت عربات الموت المفخخ, تنتظر أن تمنح "عيدية الموت" لهؤلاء المحتفلين بعيدهم. انتشرت مفخخات الموت كانتشار قواتنا الأمنية, التي باتت خططها "لا تسمن ولا تغني من جوع", فالإرهاب يضرب أنى يشاء, وكيفما يشاء, والقوات الأمنية ليس لها يد أو سطوة عليه, وصار واجب رجالات الأمن فقط تطويق مكان الانفجار, ونقل الجرحى والشهداء للمستشفيات, والأنكى من ذلك والأمَر, أن لا أحد من مسؤولي الحكومة ورجالاتها يعترف بالتقصير أو يشخص الخلل, حتى رئيس الوزراء وهو القائد العام للقوات المسلحة اكتفى بتصريح واحد وهو يحضر حفلا في قضاء الهندية"طويريج" حيث قال "أن التفجيرات أمر مزعج" نعم بالضبط مزعج كلسعة البعوضة فهي مزعجة أيضا لكنها لا تمزق الأجساد. يبدو أن نصيب العراقيين من أعيادهم هو الحزن, والموت وتمزق الأشلاء, في ظل حكومة لا تشعر بمعاناتهم, ولا تنتفض لتخليصهم من يد الإرهاب, لتكون حصة العراقيين فقط "عيدية الموت" التي تحصد أرواحهم.
|