ما معنى أن تخرج مجموعة من المتظاهرين في محافظة كربلاء ليهتفوا باسم صدام؟..ما معنى أن يخرج علينا عضو مجلس المحافظة، ليقول إن المتظاهرين لا ينتمون إلى العراق وإنهم غرباء؟! لعل السؤال الأهم لمن يتابع الوضع في العراق، هو: هل ما يجري اليوم مقطوع الصلة بما جرى أيام صدام وأن سلوكيات البعض ليست بعيدة عن نظام دولة المخابرات والمخبرين السريين، ووثيق الصلة أيضا بحرائق التعصب والانغلاق التي تنتشر اليوم في أكثر من مكان، فحملات إعادة صدام إلى الحياة واستنساخ نظامه ومعاقبة الذين يصرخون بوجه الدكتاتورية، لا تزال مستمرة بنجاح منقطع النظير. لعلّ ماجرى في العراق خلال السنوات الماضية وما يجري الآن يمثّل تجربة عملية على حرق كل أثر للتغيير، وقد كان مشهد الصراع الطائفي على المناصب والمغانم بالغ الدلالة والإيجاز،وإذا كان العراقيون البسطاء قد توسموا خيراً بعد سقوط تمثال "صدام" فقد خاب ظنهم حين اكتشفوا أن بينهم اليوم أكثر من صدام، وليجدوا أنفسهم وجهاً لوجه أمام دكتاتوريات متعددة للقتل المجاني وكواتم الصوت والترهيب والتخوين؟! ما معنى أن نجد مسؤولين كانوا نائمين معظم سنوات عمرهم في فراش صدام ، ثم يدّعون أنهم أصحاب التغيير وحرّاس الديمقراطية؟! ما معنى أن يدخل الجميع في صفقة لتجميل الوجه القبيح للدكتاتوريات العربية؟! و ما معنى أن يصرّ المقربون من رئيس مجلس الوزراء على نعت احتجاجات الشباب بالفوضى، كما في تصريح خضير الخزاعي الذي اعتبر تظاهرات العراقيين ومطالبتهم بالخدمات ومحاسبة المفسدين نوعاً من الوهم "؟! إن "من يدعو إلى ربيع عراقي ويعتقد أنه سيجيّش الناس في الشارع ويخلق فوضى لكي يرسم مساراً جديداً فهو على وهم ". ولو تأملتَ جيداً فيما هو مرفوع من شعارات، وما يطلق من خطابات سياسية، ستكتشف أنها مأخوذة نصاً من قاموس صدام، فحين يخرج علينا رئيس مجلس الوزراء بخطاب ثوري عن الخراب الذي ينتظرنا لو لم يحصل على ولاية ثالثة ، فهذا يأخذنا مباشرة إلى كلمات صدام التي قال فيها "لن نسلمها سوى تراب " وتوعده بفتح باب الجحيم، إذا أزيح عن الحكم. وحين تخرج نائبة يستبد بها الحنين لعودة دولة الزعيم الأوحد لتعلن أن شباب التظاهرات ينفذون أجندات أجنبية وممولون من قطر والسعودية ، فإنه يمكن فهم خارطة السياسة الجديدة، تلك الخارطة التي وضعها أولئك الذين اختزلوا معنى التغيير في مطلب واحد، وهو الانقضاض على كرسي الحكم، بالعنف تارة، وبالانتهازية تارة أخرى، وبقوة المال والسلطة والأمن تارة ثالثة. وما كان يطرح على استحياء حول التمديد للمالكي مدى الحياة صار الآن يقال بصريح العبارات وأوضحها، فلماذا نلوم أناساً وجدوا ان مصدر رزقهم مهدد وان مستقبل أبنائهم يعصف به المجهول من ان يهتفوا بالروح وبالدم لصدام.. ولم نوجه لوماً لشريحة مثقفة، هم معلمو بغداد حين خرجوا مع نقيبهم يهتفون بالروح بالدم نفديك يامالكي.. لماذا لانوجه اللوم لساسة سمموا الأجواء واحتلوا مساحات داخل أرض التغيير الذي قامت به أمريكا،،، ولماذا نصمت في وجه سلطة لم تنجح حتى هذه اللحظة في إجراء مصالحة وطنية تقوم على مبادئ وأهداف وطنية حقيقية. لقد وصل الاستهتار بمشاعر الناس وآمالهم أن يقول البعض إنه برغم كل الفساد وسوء الخدمات إلا أن العراقيين يعلمون أن الحكومة المنتخبة تسعى من أجل تطوير البلد, وأن المتظاهرين يقفون حجر عثرة في مسيرة الإعمار والتطوير، ونسي هؤلاء أن صدام ظل جاثماً على صدور العراقيين أكثر من ثلاثة عقود، وبالحجة نفسها فهو "القائد والضرورة والملهم والمؤمن". أنتم أيها الساسة الذين تريدون أن ندفع جميعاً ثمن تفرغكم لدراسة كتب الاستبداد والانتهازية. وتريدون مقابلها كل الامتيازات؟ ولا تكتفون بنهب ثروات البلاد وتحويلها الى إقطاعيات.. لكنكم تواجهون متظاهرين الفقراء والبسطاء بأساليب التخوين، وتصرون على ان تمنعوا او تمنحوا الحياة بمزاجكم.. تريدون سلطة لها بعد سياسى وديني.. تريدون أن تحكموا فى الأرض بما تتصورونه، أو تدعونه من أنه حكم السماء.. ايها السادة انتم نسخ مشوهة من صدام.
|