بعض الجوانب المشرقة من حياة أمير المؤمنين / الجزء الثالث... عبود مزهر الكرخي

 

 

 

 

 

 

 

وليد الكعبة:

من العجائب التي أضافت صوتاً ضارباً في التاريخ وأحداثه الفريدة التي تفتح الأعين على ما تخفيه من أسرار ، أن يصطفي الله لعبد اصطفاه ، حتى موضع مولده ، ليجمع له ـ مع طهارة مولده ـ شرف المحل ، محل الولادة ، ويخصّه بمكرمةٍ ميَّزه بها منذ ساعة مولده عن سائر البشر.

هكذا كان مولد عليِّ بن أبي طالب سلام الله عليه، في البيت العتيق في الكعبة الشريفة.

فهذا هو وليد الكعبة الذي عندما كانت أمه فاطمة بنت أسد(ع) في شهرها التاسع وعندما أحست بوجع الولادة أقبلت إلى المسجد الحرام وطافت حول الكعبة ثم وقفت للدعاء والتضرع إلى الله ليسهل لها عملية الولادة وقالت ((يا رب أني مؤمنة بك وبكل كتاب أنزلته،وبكل رسول أرسلته ومصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل(ع)،وقد بنى بيتك العتيق،وأسألك بحق أنبيائك المرسلين،وملائكتك المقربين وبحق هذا الجنين الذي في أحشائي...إلا يسرت عليَّ ولادتي)).

وانتهى الدعاء وأنشق جدار الكعبة من الجانب المسمى((بالمستجار))ودخلت السيدة فاطمة بنت أسد إلى جوف الكعبة،وأرتاب الصدع،وعادت الفتحة والتزقت وولدت السيدة علياً هناك والأثر لا يزال موجوداً على جدار الكعبة حتى يومنا هذا بالرغم من تجديد بناء الكعبة عدة مرات في خلال هذه القرون وقد مليء الأنشقاق بالفضة والأثر يُرى بكل وضوح والعديد من الحجاج يلتصقون بهذا الجدار (المستجار) ويتضرعون إلى الله تعالى في قضاء حوائجهم.وكان وليدها.(1)

روى الشيخ الطوسي عليه الرحمة ـ في أماليه ـ عن الإمام الصادق (عليه السلام): كان العباس بن عبد المطلب ويزيد بن قعنب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلى فريق بني عبد العزى إزاء بيت الله الحرام، إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم، وكانت حاملة بأمير المؤمنين (عليه السلام) لتسعة أشهر، وكان يوم التمام، فوقفت إزاء البيت الحرام، وقد أخذها الطلق، ورمت بطرفها نحو السماء وقالت...

إلى آخر كلامها الذي تقدم.

ووصل الخبر إلى أبي طالب، فأقبل هو وجماعة وحاولوا ليفتحوا باب الكعبة حتى تصل النساء إلى فاطمة ليساعدنها على أمر الولادة، ولكنهم لم يستطيعوا فتح الباب، فعلموا أن هذا الأمر من الله سبحانه وتعالى.

وحدثت السيدة فاطمة بما جرى عليها في الكعبة، قالت: فجلست على الرخامة الحمراء ساعة، وإذا أنا قد وضعت ولدي علي بن أبي طالب ولم أجد وجعاً ولا ألماً.

وبقيت السيدة في الكعبة ثلاثة أيام، وانتشر الخبر في مكة، وجعل الناس يتحدثون به حتى النساء، وازدحم الناس في المسجد الحرام، ليشاهدوا مكان الحادثة، حتى كان اليوم الثالث، وإذا بفاطمة قد خرجت ـ من الموضع الذي كان قد انشق لدخولها ـ وعلى يدها صبي كأنه فلقة قمر وأسرعت الجماهير المتجمهرة إليها فقالت: معاشر الناس، إن الله عز وجل اختارني من خلقه وفضلني على المختارات ممن مضى قبلي، وقد اختار الله آسية بنت مزاحم فإنها عبدت الله سراً في موضع لا يحب أن يعبد الله فيه إلا اضطراراً، ومريم بنت عمران، حيث هانت ويسرت ولادة عيسى فهزت الجذع اليابس من النخلة في فلاة من الأرض حتى تساقط عليها رطباً جنياً وإن الله تعالى اختارني (فضلني) عليها وعلى كل من مضى قبلي من نساء العالمين لأني ولدت في بيته العتيق، وبقيت فيه ثلاثة أيام آكل من ثمار الجنة وأرزاقها...الخ.(2)

هذا هو مختصر ولادة سيد الوصيين وأمام المتقين سيدي ومولاي أمير المؤمنين(ع).

وكان ذلك يوم الجمعة ، الثالث عشر من شهر الله الأصمّ رجب ، بعد عام الفيل بثلاثين سنة (3). قبل البعثة بعشر سنين (4). حوالي عام ٦٠٠ م ( ٢٣ قبل الهجرة ) ، وقيل : « ولد سنة ثمان وعشرين من عام الفيل ». (5)

تلك الولادة التي أكرم لها الله بها الأمام علي  وخصه بها لتكون مفخرة له ولأمه (رض) وعلى مدى التاريخ والتي لا يزال أثرها شاخص عند الكعبة في ركن الكعبة اليماني والذي يبقى نتفطراً رغم كل المعالجات لسد  الفطر ولكن كل سنة يتجدد هذا الفطر لتخرج منه رائحة زكية يشمها كل حاج يطوف بالكعبة وهذه هي معجزة من معجزات أمير المؤمنين(ع)وليسجل التاريخ وبأحرف من نور وهي إن ويسجل التاريخ ذاك الفخر الذي ظهر فيه عليٌّ عليه‌السلام مديراً ظهره للأصنام التي كانت الكعبة الشريفة تضجُّ بها ، وعن قريب سينهض هذا الوليد على كتف رسول الله ليلقي بها أرضاً ، تحت بطون الأقدام!! والتي لم يحظى بهذه الولادة لا من الأولين ولا الآخرين.

صفته :

نشأ عليه‌السلام مكين البنيان ، شاباً وكهلاً ، حافظاً لتكوينه المكين حتى ناهز الستين من عمره الشريف ، كان قوي البنية ، ممتلىء الجسم ، كثير الشعر ، ربعة في الرجال لا هو بالطويل ولا بالقصير ، عريض المنكبين ، له مشاش كمشاش السبع الضاري ، يغلظ من أعضائه ما استغلظ من أعضاء الأسد ويدقُّ منها ما استدقّ ..

هذا وتدلُّ أخباره ـ كما تدلُّ صفاته ـ على قوَّة جسدية ، فربَّما رفع فارساً بيده فجلد به الأرض غير جاهد ، وما صارع أحداً الا وصرعه ..

يتكفَّأ في مشيته على نحو ما يقارب مشية رسول الله (ص) ، الذي جعله أُسوته وقدوته منذ أن نشأ وحتَّى مات.

وذكر بعضهم أنَّه كان آدمَ ـ أي أسمر ـ شديد الأدمة، عظيم العينين غليظ الساعدين أقرب إلى القصر من الطول ، عريض اللحية ..

ولم يصفه أحد بالخضاب ، سوى سواد بن حنظلة ، قال ابن سعد : والصحيح أنَّه لم يخضب ، وروي أنَّه كان يصفِّر لحيته بالحنَّاء ثُمَّ ترك. (6)

أسماؤه وألقابه:

كثيرة أسماؤه وألقابه عليه‌السلام ومختلف في بعضها بين العلماء، فقال مجاهد : « إنَّ أُمُّه سمَّته عليَّاً عند ولادته.

أمّا أبوه شيخ البطحاء ومؤمن قريش فإنّه دخل الكعبة المقدّسة وناجى الله تعالى بإخلاص أن يلهمه تسمية وليده المبارك قائلا:

يا ربّ هذا الغسق الدّجى***والقمر المنبلج المضيّ

بيّن لنا من أمرك الخفيّ***ما ذا ترى في اسم ذا الصّبيّ

فألهمه الله تعالى أن يسمّيه عليّا ، فخرج من البيت الحرام وهو ينشد أمام قريش :

سمّيته بعليّ كي يدوم له***عزّ العلوّ وفخر العزّ أدومه

لقد كان هذا الاسم المبارك الذي سمّته به السماء من أحسن الأسماء وأجملها، فقد كان الإمام عاليا في مواهبه وعبقرياته، وعاليا في إيمانه وسموّ أخلاقه، وعاليا فيما وهبه الله من طاقات الفضل والأدب والكمال. يقول عبد الباقي العمري :

أنت العليّ الّذي فوق العلى رفعا***ببطن مكّة عند البيت إذ وضعا

سمّتك امّك بنت اللّيث حيدرة***أكرم بلبوة ليث أنجبت سبعا.(7)

وقال عطاء : إنَّما سمَّته أُمُّه حيدرة ، بدليل قوله يوم خيبر : « أنا الذي سمَّتني أمِّي حيدرة » ، فلمَّا علا على كتفي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكسَّر الأصنام سُمِّي عليَّاً من العلو والرفعة والشرف » (8).

وليس هذا بالمعتمد ، فقد عُرف باسم « عليٍّ » منذ الصغر.

وعن ابن عبَّاس : « كانت أُمُّه إذا دخلت على هُبل لتسجد له وهي حامل به على بطنها فيتقوَّس فيمنعها من السجود فسُمِّي عليَّاً » (9). ولايصحُّ ؛ لأنَّ أُمَّه فاطمة بنت أسد كانت تتعبَّد على ملَّة إبراهيم الخليل ، كما ذكرنا ذلك سابقاً.

وقال سبط ابن الجوزي : « وقول مجاهد أظهر؛ لأنَّه ثبت المستفيض بهِ ، ولايمنعها من تسميته عليَّاً أن تسمِّيه حيدرة ، لأنَّ حيدرة اسم من أسامي الأسد لغلظ عنقه وذراعه ، وكذلك كان أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فيكون عليٌّ اسمه الأصلي ، وحيدرة وصفاً له ».(10)

وعنه أيضاً : « وقد سمَّاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « ذا القرنين » ذكر ذلك بإسناده المتَّصل إلى سلمة بن الطفيل ، عن عليٍّ عليه‌السلام ، قال : « قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنَّ لك في الجنَّة قصراً ، وإنَّك ذو قرنيها » »(11)

قال : « وهذا حديث أخرجه أحمد بن حنبل في المسند ، وأخرجه أحمد أيضاً في كتاب جمع فيه فضائل أمير المؤمنين ، ورواه النسائي مسنداً ».

وقد عُرف عليه‌السلام بألقاب كثيرة، جاء كثير منها في حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منها : « يعسوب المؤمنين » وأصل اليعسوب هو ملك النحل ، ومنه قيل للسيِّد : يعسوب ، والمؤمنون يتشبَّهون بالنحل ؛ لأنَّ النحل تأكل طيباً.

ويلقَّب أيضاً : الولي ، والوصي ، والتقي ، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، وشبيه هارون ، وصاحب اللوى ، وخاصف النعل ، وكاشف الكرب ، وأبو الريحانتين ، وبيضة البلد ، وغيرها كثير. (12)

وكنَّاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأبي تراب لمَّا رآه ساجداً معفِّراً وجهه في التراب، فكان ذلك من أحبِّ ألقابه إليه.

رواه أيضاً ابن جرير الطبري (13) في تاريخه ، ثُمَّ ذكر سبباً آخر في هذه التسمية ، خلاصته أنَّه قيل لسهل بن سعد الساعدي : إنَّ بعض أمراء المدينة يريد أن يبعث إليك لتسبَّ عليَّ بن أبي طالب على المنبر ، وتقول له : يا أبا تراب ، قال : والله ما سمَّاه بذلك الا رسول الله. قلت : وكيف ذاك؟ قال : دخل عليٌّ عليه‌السلام على فاطمة الزهراء ، ثُمَّ خرج من الدار ، وذهب إلى المسجد واضطجع في فيئه ، ثُمَّ دخل رسول الله على فاطمة وسألها عن عليٍّ عليه‌السلام ، فقالت له : « هو ذاك مضطجع في المسجد » ، فجاءه رسول الله فوجده وقد سقط رداؤه عن ظهره؛ فقال له : « اجلس أبا تراب » فوالله ما سمَّاه بذلك إلا رسول الله ، وكان أحبَّ أسمائه إليه.

وهناك روايات حول سبب هذه التسمية ولكن أتينا بهذين الروايتين علي سبيل المثال ليس إلا ولكي تدحض كل من يقول غير ذلك والتي تريد الانتقاص من الأمام علي وخصوصاً رواية الطبري وهو من اعلامهم وفقهاؤهم وهو رد لكل من يقول غير ذلك.

ولقَّبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضاً بأمير المؤمنين ، حتَّى قال فيه : « سلِّموا على عليٍّ بإمرة المؤمنين ».(14)

ومن ألقابه (15) أيضاً : المرتضى ، ونفس الرسول ، وأخوه ، وزوج البتول ، وسيف الله المسلول ، وأمير البررة ، وقاتل الفجرة ، وقسيم النار ، وصاحب اللواء ، وسيِّد العرب ، وكشَّاف الكرب ، والصدِّيق الأكبر ، والهادي ، والفاروق ، والداعي ، والشاهد ، وباب المدينة ـ أي مدينة العلم ـ وغرَّة المهاجرين ، والكرَّار غير الفرَّار ، والفقَّار ، وبيضة البلد.

واجتمعت في عليِّ بن أبي طالب خلاصة الصفات التي اشتهرت بها أُسرته الهاشمية من النبل والشجاعة .. وممَّا قاله القائلون عن شجاعته : إنَّه ما عُرف عن بطل في العالم الا كان مغلوباً حيناً ، وغالباً حيناً ، الا عليٌّ عليه‌السلام فهو الغالب أبداً ودائماً ، ومن هنا كان العرب يفخرون بأنَّ قريبهم قُتل بسيف عليٍّ ، ويجعلون من هذا دليلاً على أنَّ صاحبهم بارز عليَّاً ، وهو الموت الذي لابدَّ منه.

وفي مبارزة الأمام علي (ع) مع عمرو بن ود العامري وعندما خره بلين امور ثالث فانتهى إلى المبارزة قال له عمرو : إنّ هذه الخصلة ما كنت أظنّ أحداً من العرب يطلبها منّي, وأنا أكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك, وقد كان أبوك نديماً لي, فقال (عليه السلام) : وأنا كذلك, ولكنّي أحبّ أن أقتلك ما دمت أبيّاً للحق .

 لما قتل علي بن أبي طالب (عليه السلام) عمرو بن عبد ود أنشأت أخته عمرة بنت عبد ود ترثيه فقالت :

لو كان قاتل عمـرو غيـر قاتلـه ***** بكيته ما أقام الـروح في جسـدي

لكـن قـاتلـه من لا يعـاب بـه ***** وكان يدعى قديمـاً بيضـة البلـد.(16)

وهذا للدلالة على رفعة وسمو أمير المؤمنين(ع).

وعُرف أيضاً بالمروءة والعلم والذكاء ، وقد كان يقول : « لو شئت لأوقرت سبعين بعيراً في تفسير فاتحة الكتاب »(17). وهو أعلم أصحاب رسول الله قاطبة بلا منازع، وفي هذا أحاديث كثيرة تشهد له ، ووقائع كثيرة تصدّقه.

نشأته :

كلُّ مولود يولد تتعاقبه وراثة الأجيال ، فيأخذ من الأب والأمِّ مايكوِّن به شخصيَّته النفسية والروحية والأخلاقية ، والإمام عليٌّ عليه‌السلام معروف النسب ، فهو ابن سادة العرب ، أهل المروءة والشجاعة والكرم ، توارثوا السيادة وخصالها أباً عن جدٍّ ، عن أبيهم إبراهيم خليل الرحمن.

كما هيَّأ الله سبحانه الأسباب لعليٍّ ليكون أكثر الناس قرباً من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخصِّهم به .. بل ليكون النبيُّ أقرب إليه من أبيه وأخوته ، ففي الثامنة من عمر علي عليه‌السلام ـ وربما كان حوالي عام ٦٠٦ م ـ دخلت قريش أزمة شديدة طاحنة ، وسنة مجدبة منهكة ، شحَّت فيها موارد العيش ، وكان وقعها على أبي طالب شديداً ، إذ كان ذا عيال كثير وقلَّة من المال لا يفي

بنفقة رجل مثله ، فعند ذاك قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعمَّيه الحمزة والعبَّاس : « ألا نحمل ثقل أبي طالب ، ونخفِّف عنه عياله؟ »

فجاءوا إليه وسألوه أن يسلِّمهم وِلده ليكفوه أمرهم ، فقال لهم : دعوا لي عقيلاً وخُذوا من شئتم ، فأخذ العبَّاس طالباً ، وحمزة جعفراً ، وأخذ محمَّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليَّاً عليه‌السلام.(18)

وانتقل عليٌّ عليه‌السلام وهو في مطلع صباه إلى كفيله محمَّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فرُبِّي في حجر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يفارقه ، وكانت فاطمة بنت أسد كالأُمِّ للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكذلك كانت خديجة بنت خويلد كالأُمِّ لعليٍّ عليه‌السلام.

فنشأ عليٌّ عليه‌السلام في بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرعاه وينفق عليه ، فحاز بذلك من الشرف ما لم يحزه غيره .. فقد نشأ يستلهم من معلِّمه معالم الأخلاق والتربية الروحية والفكرية ، وكذا دقائق الحكمة والمعرفة ، حتَّى أدرك من الحقائق ما لم يدركه بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحد غيره ، حتى تطبّع بصفات كافله ، ولم تكن فيه صفة إلا وهي مشدودة بصفات معلِّمه الأول والأخير ، وما من شيء أنكره قلب محمَّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا وأنكره قلب عليٍّ عليه‌السلام ، وكان هذا قبل مبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وأدرك التلميذ من معلِّمه العظيم حقائق الكون ونواميس الطبيعة، بل وأسرار الوجود، وأصبح المثل الأعلى في جميع شمائله وأفعاله، وتحلَّى بأعلى ذروة من ذرى الكمال الروحي والأخلاقي.(19)

ووصف عليه‌السلام تلك الأيام القيِّمة مبيّنا فضلها واختصاصه بها على من سواه ، فقال:

« وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقرابة القريبة ، والمنزلة الخصيصة ، وضعني في حجره وأنا ولد ، يضمُّني إلى صدره .. وكان يمضغُ الشيء ثُمَّ يُلقمنيه ، وما وجد لي كذبةً في قول ، ولا خطلة في فعل .. ولقد كنت أتَّبعه إتباع الفصيل أثر أمِّه ، يرفع لي في كلِّ يومٍ من أخلاقه علماً ، ويأمرني بالاقتداء به ، ولقد كان يجاور في كلِّ سنة بحراء فأراه ، ولا يراه غيري ، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخديجة وأنا ثالثهما ، أرى نور الوحي والرسالة ، وأشمُّ ريح النبوَّة. ولقد سمعت رنَّة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت : يا رسول الله ما هذه الرَّنَّة؟ فقال : هذا الشيطان قد أيِسَ من عبادَتِهِ. إنَّك تسمعُ ما أسمعُ ، وترى ما أرى ، إلاّ أنَّكَ لَسْت بِنَبِيٍّ ، ولكنَّكَ لَوزيرٌ وإنَّك لَعَلَى خير ... ».(20)

ومعنى رنة إبليس: صوت حزنه ورعبه ، وقد روي أنه:(( رنَّ أربع رنات: يوم لعن ويوم أهبط إلى الأرض ، ويوم بعث النبي (صلى الله عليه وآله)  ، ويوم الغدير)).(21)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر :

1 ـ الأمام علي من المهد إلى اللحد.تأليف العلامة الخطيب السيد محمد كاظم القزويني. {باب وليد الكعبة}. الليلة الأولى.

2 ـ البحار ـ ج9.

3 ـ  أنظر إعلام الورى ١ : ٣٠٦ ، إرشاد المفيد ١ : ٥ ، عليٌّ وليد الكعبة / الأوردبادي : ٣ منشورات مكتبة الرضوي ، كشف الغمَّة / العلأَمة المحقِّق الأربلي ١ : ٥.

4 ـ الإصابة / ابن حجر ٢ : ٥٠٧.

5 ـ  كشف الغمَّة ١ : ٥٩.

6 ـ الإمام علي ( عليه السلام ) سيرة وتأريخ. إسلام الموسوي. مركز الرسالة. سلسلة المعارف الإسلامية(23) ص 23 ، 24

7 ـ موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - ج ١ و ٢ باقر شريف القرشي ص46

8 و9 ـ  تذكرة الخواص : ٣ ـ ٤.

10 و 11 ـ  تذكرة الخواص : ٤.

12 ـ  نفس المصدر

13 ـ تاريخ الطبري ٢ : ١٢٣ بتصرف. وأيضاً أنظر : ارشاد المفيد ١ : ٤٨.

14 ـ انظر شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد 1/12 وابن عساكر (ترجمة امير المؤمنين (عليه السلام) عن بريدة الاسلمي امرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان نسلم على علي بإمره المؤمنين.

15 ـ للمزيد أنظر : المناقب / الخوارزمي ٤٠ ـ ٤٣ ط مؤسسة النشر الإسلامي

16 ـ صاحب (مستدرك الصحيحين 3 / 33)

17 ـ  مناقب ابن شهرآشوب ٢ : ٤٣ ، ينابيع المودة / القندوزي : ٦٥.

18 ـ  الكامل في التاريخ ١ : ٥٨٢.

19 ـ الإمام علي ( عليه السلام ) سيرة وتأريخ. إسلام الموسوي. مركز الرسالة. سلسلة المعارف الإسلامية(23). ص 29

20 ـ   (نهج البلاغة: 2/157 ، ومصادره البلاغة: 3/23). الخطبة القاصعة الرقم 187.

 

21 ـ ( قرب الإسناد/9).  وأضاف لها في الخصال/263