أسباب انخفاض الطرح الثقافي في المنبر الحسيني

 

 

 

 

 

 

المنبر الحسين اقترن بالوجود الشيعي منذ ثورة الحسين {ع} في كربلاء عام 61 هجرية إلى يومنا الحاضر وسيبقى يتوارثه الأجيال جيلا بعد جيل .... وقد تعرض المنبر إلى هجمات لا تعد ولا تحصى من فراعنة العصور .. وكما أسسه الحسين{ع} بدمه الطاهر .. فان شيعة الحسين"ع" { الحسينيون} قدموا انهارا من الدماء والأموال والجهد بشكل جعل العالم ينحني لصمودهم .. يوم سكتت جميع الأصوات بلا استثناء زمن الطاغية المجرم صدام وزبانيته , بقي صوت الحسين ومنبر الحسين ومجالس الحسين وخدام الحسين غصة في نفس الطاغية وزبانيته .. 
ولا غرابة أن ينتمي لمجالس الحسين ومنبره اغلب الناس مسلمين شيعة وسنة ومسيحيون وصابئة ودرزيون وبوذيون وأمم لا اعرف معتقداتها .. كلهم يحبون الحسين {ع} وكلهم يحيون ذكرى شهادته , ولا بد أن يتحدث لهم خطيب في مناسبة معينة يحيي بها ملحمة عاشوراء العظيمة ... المتحدث في المناسبة يسمى خطيب حسيني .. ويمكن لأي شخص أن ينسب نفسه لهذه المهنة الشريفة .. وقد كانت الفترة المنصرمة قبل نصف قرن يمكن أن يتحدث الخطيب بما يحفظه من روايات غثة وسمينة كون المجتمع يدور بمستوى تلك الثقافة ذلك الوقت ... ولكن أن يستمر الخطباء تكرار المادة الخطابية التي كان يسمعها أجدادنا وآباءهم هذا يدلل على وجود خلل ثقافي , .. والمصيبة هناك عوامل موضوعية ساعدت بعض الخطباء للاستمرار بتكرار النصوص المنبرية وحصرها بروايات وأدعية وخطب دون شرحها بمستوى ثقافي أكاديمي يتلائم وروح العصر .. ولو جلس الموتى الذين ماتوا قبل 50 عام وحضروا مجالس التعزية اليوم لما وجدوا تغييرا كبيرا في الطرح المنبري .. فما هي الأسباب التي تجعل الخطيب يتمسك بالموروثات دون أن يطور نفسه على الخط الذي خطه المرحوم الشيخ احمد الوائلي والشيخ فاضل المالكي ومن سار بسيرتهم من الخطباء..؟ 
1- الدراسات الحوزوية : المعروف إن الحوزات الشيعية المنتشرة في العالم الإسلامي تعتمد دروسا خاصة تميزها عن مدرسة الصحابة وتعتمد على نوع من الكتب المخصصة للمراحل الدراسية لحين وصول طالب العلم لمراحل البحث الخارج والاجتهاد .. وتتعلق بتلك الكتب مئات المصادر والبحوث,ولكن كل هذه الحوزات تفتقر {لكتاب واحد مخصص للخطابة المنبرية}..فهمنا من كتاب تجاربي مع المنبر للوائلي رحمه الله إن بعض الكبار يعتبر الخطيب الحسيني رجل دين درجة ثانية أو اقل ... الخ.... واليوم بفضل التوسع العام في الحياة استحدثت معاهد ودورات خطابية, ولكنها غير مجدية ولا يوجد فيها كتب تخصصية . وهذه المعاهد .تختلف بعضها عن البعض بالدراسة والأسلوب والثقافة ... والمشكلة إن الاساتذه هم بالأساس غير جديرون بالتدريس ويحتاجون دورات ودراسات .. لذا لم يتحقق الغرض من دوراتهم ومعاهدهم الخطابية .. راجعت احد المؤسسات التي ترعى الخطباء لمدة سنتين .. فتبين إن عدد خطباءهم 150 خطيبا .. وحين سالت المدير عن أشهرهم..؟ قال ليس فيهم من صعد المنبر للان , وبقي الأمر لحد الآن, وتبين أنهم تنظيم حزبي..!!! 
2- الثقافة الذاتية: الثقافة ليست حكرا لجهة معينة.. ولا مقرونة بالدراسات الأكاديمية , ولكن صاحب الاختصاص لا بد أن يبذل جهده ليطور إمكاناته الذاتية .. والمنبر الحسيني مقرون بالثقافة العامة دينيا وأخلاقيا واجتماعيا وفكريا , ولما كانت {اغلب المجالس} تعتمد التراثيات والصوت الحسن والسمعة والانتماء التقليدي لمرجع معين والتنظيم الحزبي الذي دخل مؤخرا على المنبر .. هذه الأمور تجعل الخطيب مطمئنا لوظيفته وانه مرشح عن الجهة الفلانية ولا يمكن أن ينافسه آخر على وظيفته الخطابية ..لذا ترك الثقافة ولم يتعب نفسه سوى أيام قلائل قبل موسم القراءة الحسينية ليشتري كتبا خاصة لمجالس قديمة لخطيب مات قبل سنين ويعيدها تحت عنوان خادم المنبر الحسيني ... هذه نقطة مهمة من نقاط سلبية تراجع الثقافة المنبرية ....
3- الجمهور الحسيني : الحديث عن جمهور المستمعين ينقسم إلى قسمين .. حتى لا نغفل الناس حقوقهم .. الآن قسم بدأ يتوسع في زحمة جمهور واسع يرغب أسماء وصوت دون مضمون ... هناك شريحة مثقفة وأكاديمية ومتعلمين وعشائريين يرغبون بالمجالس التي تعطي أهمية لمناقشة السلبيات الاجتماعية وفق منظور أخلاقي وقراني .. ولا يحبذون المجالس التراثية المكررة لسنين طويلة .. ولكنهم أقلية وغير مؤثرين في الوسط العام ...والقسم الثاني من الجمهور الحسيني على العكس لا يرتاح للشرح القرآني أو الأخلاقي أو دروس عقائدية لأنه يريد { صوت شجي وبكاء ونعي} ونحن نصطدم بكلمة دائما { شيخنا نريد نبجي} ... والكارثة الحديثة إن هناك قنوات فضائية محسوبة على مرجعية معينة ترعى هذا الجانب وتقويه وتبذل له أموالاَ طائلة تحت غطاء خدمة الحسين ونشر التشيع .. حتى أصبح الكلام عن الثقافة في مجالسهم نوعا من المجازفة وربما تتهم بالشطح ... إضافة ما للتلفزيون والنقل المباشر ودوران الكاميرا حيث تنقل الجالسين وصورهم إلى أهلهم وأصدقائهم ... ولا يزايد علينا احد في هذا ليس الجميع ولكن الغالب .. حضرت يوما في حسينية يتم النقل فيها بالمباشر .. وصلينا صلاتي المغرب والعشاء .. بمجرد أن انتهت صلاة العشاء جاءت ركضه من الجهة البعيدة عن المنبر تعثر بعضهم وسقط آخرون .. وعلا صياح صاحب المجلس .. تبين أن المهم أن يجلس احدهم قرب المنبر لأنه حتما سيظهر في التلفزيون بوضوح..!!
4- أصحاب المجالس : هؤلاء اعتبرهم من أعظم المجاهدين زمن النظام الصدامي { القدماء منهم قبل السقوط} لأنهم واجهة التصدي للنظام .. تحملوا الضغط والخوف والرعب والاهانة وكل ما يمارسه الأمن والحزب والمختارين ضدهم في سبيل احياء مجالس الحسين {ع} ولكن اغلبهم بما فيهم أصحاب المجالس اليوم يحبون أن يكون العدد في مجالسهم كبيرا .. يقيسون نجاح الخطيب بعدد الجالسين , لا يهتمون وبعضهم لا يعرفون مستوى المحاضرة ... نعم هم حسينيون ولكن فيهم من يغره المكان وحضور الناس عنده .. ولا يفوتني إن بعض الذين كانت عليهم إشارات تعاون مع البعث سابقا الآن شيدوا حسينيات ودخلوا في سلك خدام الحسين{ع} ...
هل بالإمكان معالجة هذه الظواهر ...؟ وهي يمكن أن تتبنى جهة حوزوية آو منظمة تابعة للمجتمع المدني من خط الخدام الحسيني تتصدى لمعالجة الخلل الذي يطرأ هنا وهناك ... لماذا يهتم الحسينيون جميعا بالمواكب واللطم ولا يهتمون للنقاط التي ذكرتها ...؟ وهل أصبح الجمهور الحسيني يحب صوت الرادود واللطم أكثر من الثقافة الدينية التي تعلم الإنسان تربية وأخلاق وقيم ومباديْ.. تصلح له دنياه وأخرته .. .. لماذا وصلت الحال أن يقول الجمهور للخطيب " اختصر" ويقول للرادود " أأأأعد"