قضية سنودن.. ومعايير ثبات النظام

 

المشاركة في القرار ، توزيع المهام ، اعتماد معايير الكفاءة ، ليست متطلبات للعمل المؤسسي فحسب بل هي معايير لاستقرار النظام السياسي وثباته وقوته وكفاءته.
الكثير من المراقبين ينظرون الى قضية عميل الاستخبارات الامريكية المطلوب للقضاء ادوارد سنودن من الزاوية الاكثر قتامة في النظام السياسي الامريكي واقصد بها زاوية التضييق ومتابعة المتمردين على النظام لاسيما اولئك الذين يكلفون بالحفاظ على معلومات سرية تتعلق بالمنهجية التي تتبعها الادارة لمواجهة التحديات والحرب على الارهاب والحفاظ على التفرد والتفوق الامريكي في العالم ، ولكن اولئك المراقبين يهملون النظر الى الجانب الاكثر اهمية الذي اظهرته هذه القضية وهو منهج العمل المؤسسي الذي يُنشّأ عليه المواطن منذ بواكير حياته الى مدرسته ثم في جامعته وصولا الى نيله شرف الخدمة في المجتمع كأحد الافراد العاملين والمنتجين.
ان تكليف اشخاصا مثل سنودن بمهام سرية تعرض النظام السياسي للانكشاف في حالة تسربها دليل على ثبات النظام الامريكي واستقراره بل وكاشف عن قوة هذا النظام في وجه التحديات.
لقد كشف السيد سنودن معلومات خطيرة تتعلق بقيام الولايات المتحدة بالتجسس على شركائها والتنصت على مكالمات قادة الدول الحليفة لها وقد كانت الصدمة قوية ومحرجة داخليا وخارجيا ومع ذلك تمكن النظام من احتواء موجة الصدمة وباشر بمعالجة اثارها.
اننا نعلم بان طبيعة الادارة في النظام الامريكي لاتعير اهمية للجنس او العرق او اللون او الاتجاه السياسي في توظيف المواطنين او اسناد المهام للموظفين بل تعتمد معياري الكفاءة وحسن السمعة وبهاتين الصفتين يمكن للموظف بلوغ اعلى مراكز القرار في البلد ، كما ان تحديد الصلاحيات واعمال سلطة القانون بالتوافق مع سياقات عمل المؤسسات يجعل الناس على بينة من امرهم فلا نجد حشودا من اصحاب الطلبات وحاملي الملفات يزدحمون على المسؤول عند زيارته او اللقاء به ، ولايتوقف او يتلكأ عمل المؤسسة عند غياب رئيسها.
كما اننا نعلم ان حماية الرئيس الامريكي لايرافقوه بعد مغادرته مهام منصبه لانه لايعرفهم ولايعرفوه سابقا وهم ليسوا من حزبه ولا من اقاربه ، لكنهم يودعونه عند مدخل البيت الابيض ليستقبلوا بعده الرئيس الجديد الذي سيكونون بخدمته.
وفي المقابل فانه كلما ازداد الاعتماد على الاقارب واقتصرت الوظائف على الخواص واعتمدت الحزبية كمعيار لاسناد المهام كلما كان ذلك مؤشرا على قلق النظام وضعفه وفقدان الثقة وعدم القدرة على مواجهة التحديات ويكون من نتائجها ان ترتفع وتيرة الاختراقات متمثلة بالارهاب والفساد وسوء الادارة ثم تُعوَّم الصلاحيات وتتراجع سلطة القانون وتهمل سياقات العمل ويزداد ازدحام الناس على المسؤول دون ان يعرفوا امكانيته في الاستجابة لطلباتهم فلاينالون سوى الوعود والتسويف اللذان يدفعانهم للاحتجاج والتذمر وهكذا يبقى الجميع بانتظار الفرج.
هذه الافكار تواردت الى ذهني وانا اشاهد تجمع المواطنين الامريكيين امام البيت الابيض احتجاجا على اجراءات حكومتهم في التنصت على المكالمات في نفس الوقت الذي كانت فيه قنوات عراقية تنقل من كربلاء احتجاجات تهتف بحياة المقبور صدام حسين.