لماذا لا ينعقد مؤتمر لأصدقاء فلسطين...!

 

 

 

 

 

 

بخيبة الأمل وصفعات بالجملة على الوجوه المسودة لمنظميه والداعين له والمشاركين فيه، انتهى الاستعراض الإعلامي الذي أقامه أعداء سورية بلندن، تحت عنوان ''أصدقاء سورية'' في مخالفة صريحة للواقع وتزوير للتاريخ، إذ لا مبرر للتذكير بأن كل من حضره إما عدو قديم وتاريخي للشعب السوري أو عدو طارئ انقلب على أعقابه في لحظة جحود وتخل ليلتحق بموكب أسياده الغربيين عله ينال الرضا والثناء قبل أن تنتهي صلاحيته السياسية.‏

 

لم يقدم اجتماع لندن جديداً سوى أنه ثبت حقيقة أنه وكل الاجتماعات التي سبقته من إسطنبول إلى تونس والدوحة ومراكش وباريس وروما هي محفل لدعم التطرف والارهاب، وهي اجتماعات مخصصة لهذه الغاية دون سواها. فقد انخفض عدد الأعداء من نحو 130 قبل عام ونصف إلى 11 فقط، مع العلم أن بعض المشاركين ما كان ليحضر هذه المهزلة لولا ضغوط وإحراجات تمارسها كل من الولايات المتحدة والسعودية عليه، فيما البعض الآخر وجد نفسه في وضع لا يحسد عليه بعد أن خسر كل أوراقه وبات كل همه أن يعرقل أو يشاغب أو يصرخ لعل الآخرين يسمعونه ويرمون له ''عظمة'' من بقايا فتات طاولة جنيف.‏

اجتماع لندن كان حلقة جديدة في سلسلة حلقات المؤامرة الكونية لم يصدر عنه كما كان متوقعاً سوى تقديم جرعات دعم إضافية للمتطرفين تؤكد من جهة احتضان واشنطن وأدواتها للارهاب الدولي، وتؤكد من جهة أخرى تشجيع وتحريض هذه الأطراف للمجموعات الإرهابية المسلحة في سورية على ارتكاب المزيد من الأعمال الإرهابية التي تستهدف الدولة السورية وبناها التحتية، والمجتمع السوري بكل مكوناته.‏ 

فقد أدان مجتمعو لندن أنفسهم وقدموا الدليل القاطع على تورطهم بالإرهاب الذي يستهدف سورية، ودعمهم لمعارضة لا تتورع عن ارتكاب أفظع الجرائم والمجازر بحق الإنسانية بما فيها مجازر ريف اللاذقية، بحجة أنها معتدلة فيما يقف رموزها في التطرف على يمين جبهة النصرة الإرهابية وتنظيم داعش التكفيري، حيث وعد بيان اجتماعهم بتكثيف الجهود المشتركة لتوجيه الدعم لما يسمى ''الائتلاف الوطني السوري المعارض'' والمجلس العسكري الأعلى التابع لما يسمى ''الجيش السوري الحر''، واستمرار توفير الدعم اللازم لبناء قدرة المعارضة على توفير الاحتياجات الأساسية على الأرض، في حين أطلق متزعم هذا الائتلاف ''الأجرب'' لاءات ثلاث في وجه مؤتمر جنيف الذي قال المجتمعون إنهم يسعون لتوفير شروط انعقاده ونجاحه.‏ 

وفيما تسعى كل من روسيا والصين وإيران للبحث عن آليات للمساعدة في إيجاد حلول ممكنة للخروج من الأزمة، وتنظيم لقاءات حوارية تجمع كل أطراف الخلاف والنزاع داخل سورية وخارجها، فإن أصحاب المخطط التآمري يمضون في مخططهم التخريبي عبر عقد لقاءات ومؤتمرات أصحاب المخطط التخريبي وذلك عبر مسميات لا تعكس واقعها. فلقاءات ''أصدقاء سورية'' كلها سواء كانت في تركيا أو تونس أو فرنسا، أو المغرب أو روما، وأخيراً في لندن، فإنها تركز اهتمامها على فئات وشخصيات محدودة وتوظف لها إمكانيات إعلامية، وسياسية كبيرة بحيث تتابع مخططها في تشويه الحقائق والوقائع على اعتبار أنها حريصة على الأمن والأمان في كل المجتمعات.‏ 

ويأتي مؤتمر أعداء سورية الذي انعقد في لندن وبرعاية أميركية فرنسية بريطانية خليجية، استكمالاً للمؤتمرات الدولية التي تدعو إليها هذه الدول الاستعمارية ويمولها عربان الخليج والتي تهدف في مجملها إلى ممارسة المزيد من الضغط على الشعب السوري، وتضليل الرأي العام العالمي. الأمر الذي يشير إلى حالة الهيستيريا التي يعيشها مسؤولو الدول الاستعمارية من الصمود السوري وسعيهم لحشد كل الإمكانيات ومحاولة تضليل الرأي العام من أجل تشويه الحقائق التي تجري على أرض الواقع في سورية ودعم الإرهاب فيها لاستنزاف طاقاتها وإضعافها كدولة تلعب دوراً محورياً في المنطقة.‏ 

مسرحية لندن، هي الوجه القبيح للحرية على الطريقة الأميركية والغربية ونادي البعير الخليجي... متسولون على أبواب الغرب يقدمون طلبات العمالة وكلما كادت عمالتهم تنتهي يجددون أدواتها... نعم مسرحية لندن ليست وليدة اللحظة ولا اليوم، ولن تنتهي في الغد، لها جذورها، وامتدادها وتطلعاتها لتحقيق أطماع الآخرين في مقدراتنا وثرواتنا، وعبر أدوات داخلية رضيت أن تكون التابع.‏ 

فالتناقض الواضح في مواقف الأطراف المتآمرة تدل على أن محاولاتهم لتقويض الجهود الرامية لعقد المؤتمر الدولي حول سورية ستستمر، وما خلص إليه اجتماع أعداء الشعب السوري في لندن يؤكد بشكل قاطع أن جبهة العدوان ما زالت تصر على وضع العراقيل أمام أي حل سياسي للأزمة، لأن الحل السياسي يشكل ضربة قاصمة لمشاريعها الاستعمارية، وهي وجدت في ذاك الاجتماع فرصة أخيرة لترمي آخر ما في جعبتها من أوراق سوداء تحاول من خلالها ابتزاز سورية ولي ذراعها.‏ 

فثالوث العدوان الأميركي ـ البريطاني ـ الفرنسي وبعد تيقنه التام بفشل مراهناته على إسقاط سورية، لم يجد وسيلة لمداراة هزائمه سوى بإعطائه صفة ''الشرعية'' لأدواته ممن يسمون أنفسهم بمعارضة الخارج على أنهم يمثلون الشعب السوري، رغم إدراك ذاك الثالوث أن تلك الأدوات لا تمثل حتى نفسها، ولا سيما أنه هو من صنعها بنفسه، ليتسنى له التملص من ادعاءاته الكاذبة بتأييده انعقاد المؤتمر الدولي من خلال تحريض أدواته سابقة الذكر على وضع شروط لا منطقية ولا عقلانية للموافقة على المشاركة في المؤتمر.‏ والسؤال الجوهري الذي يتبادر للأذهان: 

من هم أولئك الذين يمثلون أصدقاء سورية؟ وأي سورية يقصدون بصداقاتهم؟ 

فإذا كانوا يقصدون بـ (سورية) تلك الفئة التي يدعي تمثيلها حفنة المعارضين في الخارج (مجلس الدوحة) وأتباعهم ممن جندوا أنفسهم لخدمة المشروع الأجنبي، فقد أخطؤوا في التسمية والجوهر، فهؤلاء المعارضون/الإرهابيون لا يمثلون سوى أنفسهم وعصاباتهم المسلحة التي أخرجها الشعب السوري من قاموسه الوطني، وبذلك يكون الأصدقاء المزيفون شركاء حقيقيين في المؤامرة على سورية، وهم بالتأكيد محرضون فعليون على سفك الدماء السورية الطاهرة. 

وإذا كانوا يقصدون بـ (سورية) الوطن والشعب، فإنّهم أخطؤوا أيضاً، لأن الشعب السوري الأصيل بتاريخه العريق، يعرف طبيعتهم العدائية تجاه سورية، ولم يكونوا، ولن يكونوا، في يوم من الأيام أصدقاء لسورية وحريصين على وحدتها ومصالح شعبها، وإنما يعملون لتفكيكها وإضعافها خدمة لمصالحهم الاستعمارية.‏

وللإنصاف، فما سمعناه وشاهدناه فيما دعي بمؤتمر أصدقاء سورية بلندن، عبّر عن أقصى درجات الغباء لأولئك الذين يعتبرون موارد نفطهم سلاحاً ماضياً بين أيديهم. فقد استطاع الاستعمار الغربي أن يحول أنظار العربان من استخدام النفط كطاقة يمكن أن تكون سلاحاً فعالاً في أي معركة إلى جعل النفط ليس ذا جدوى إذا ما تم تحويله إلى دولار يستطيعون من خلاله تمويل الحروب والمنظمات الإرهابية، والعربان آمنوا بذلك دون أن يضعوا أي اعتبار لإرادة الشعوب التي هي أقوى من نفطهم ومن دولاراتهم. مما أثبت جهلهم وجهل أسيادهم الاستعماريين. 

فثورة الجزائر وطردها للفرنسيين لم يكن بدعم من موارد النفط وأصلاً لم يكن هناك عربان الزيت الأسود يبيعون كرامتهم لتحقيق أهداف أسيادهم. وأيضاً ثورة ''عمر المختار'' في ليبيا و''سلطان باشا الأطرش'' و''صالح العلي'' في سورية و''سعد زغلول'' في مصر كل هذه الثورات تم تمويلها من مال الشعب وانتصرت لأنها تحقق إرادة الشعب.

العربان لم يستوعبوا أن الثورات لا يمكن فرضها لتحقيق إرادة المستعمرين وهذا ما أثبته التاريخ.
رأيناهم كالنعاج يساقون إلى مؤتمر ما هو إلا مسرحية هزلية قدمت لشعوب العالم، حيث أسقطت كل الأقنعة، وأظهرت أن ثورتهم المزعومة وربيعهم العربي ما هو إلا ضرب من الخيال، فرغم كل ما تم دفعه من أموال وكل الضخ الإعلامي إلا أننا لم نر زهرة تفتحت في صحراء الجزيرة العربية، وعلى رمال قطر. فالربيع لا يعطي أزهاره إلا في أرض رويت بدماء الشهداء الذين وقفوا بوجه المستعمر إلا في أرض طاهرة بترابها وسكانها.

فمن أين لهم إنتاج ربيع يصدر من صحراء تحرق شمسها كل أخضر؟

نعم إنهم نعاج، عقولهم لم تستوعب أن أسيادهم لن يستطيعوا أن يتدخلوا عسكرياً ولن يتمكنوا من الاستمرار في دعمهم ودعم شرذمة من المتسولين أدعت أنها معارضة تمثل الشعب السوري وهذه الشرذمة لم يرها الشعب السوري ولا يعرف أسماءها ولم يسمع عنها يوماً. 

لم يفهم العربان أن من يمثل الشعب السوري ليس بحاجة لاستجداء الدبابة الإسرائيلية لدخول بلده. لم يستوعب العربان أن الشعب السوري هو من يقرر مصير نفسه وليس بحاجه إلى ذئاب يدعون صداقته. يجهلون أن الشعب السوري ليس كباقي شعوب المنطقة. أن أصغر مواطن سوري يملك من الحس السياسي ما لم يملكه أصحاب العمامات. 

إنكم جاهلون للمجتمع السوري فذئابكم قد استباحت قطعان النعاج في بلادكم ولكنها لن تستطيع استباحة من لهم تاريخ عريق في نضاله ضد الاستعمار. 

فمن يدع الصداقة لسورية، فعليه أن يتخذ موقفاً كموقف روسيا والصين وإيران، لا أن يكشر عن أنيابه ليمزق جسد الشعب السوري ويكتشف أن لحمه مر لا يمكن ابتلاعه. فالشعب السوري كان مطمئناً تماماً إلى أن مؤتمر لندن هزلي بكل المقاييس لأنه يقرأ ويحلل ولديه القدرة على رؤية ملامح المستقبل. 

العربان لم يستوعبوا ويفهموا كالشعب السوري، أن الواقع الحقيقي لأميركا الآن أنها أصبحت نمراً ورقياً، لا يمكنها بعد الآن أن تخوض حروباً كما كان الوضع سابقاً، لم يستوعب العربان كم استوعب الشعب السوري حين وضع الصين وروسيا وأميركا اللاتينية والهند في الفضاء المعيق للجموح الأميركي، فما يحكم أميركا الآن هو النظرة المستقبلية لتقوية الاقتصاد الذي أصبح ضعيفاً.

فأميركا التي بلغت مديونيتها 14300 مليار دولار، التي تنفق 200 مليار دولار أكثر من إيراداتها، سجلت مفارقة أخرى هي أن احتياطها الآن الذي لا يتجاوز 73.3 مليار دولار هو أقل من رأسمال شركة آبل للبرمجيات الذي وصل إلى 76.4 مليار دولار، ما يعني أن شركة عملاقة رمزية هي أقوى ثقة من أميركا نفسها.‏ 

في الواقع أن أزمة واشنطن ليست جديدة، وهي انعكاس لسياسات داخلية وخارجية لا تستطيع تخطيها في ظل قيادتها للنظام العالمي حالياً، فلها حالياً 750 قاعدة عسكرية حول العالم، وهي تنفق المساعدات المالية والاقتصادية ''المشروطة'' من دون رصيد سياسي قابل للصرف الاستثماري المالي، بل جلّه سلف سياسية مسبقة الدفع رصيده تأمين السمع والطاعة في ظروف دولية ينهشها العوز والاتكال على برامج المساعدات التي غالباً ما تدفع من جيوب الدول الثرية لا من جيوبها لكن بإدارتها ولحسابها الخاص.‏ 

فقد كان لازماً على الإدارة الأميركية أن تتخذ قراراتها الحاسمة لعدم الوقوع في مطب الإفلاس المالي والعجز عن سداد المستحقات، ورغم أهمية الموضوع من الناحيتين المالية والاقتصادية، إلا أن تداعيات الإفلاس هي أخطر بكثير من الإفلاس المالي فهي تواجه استحقاقات كثيرة لا تقل خطورة، من بينها الوضع في أفغانستان، وقبلها في العراق، فكيف يمكن التوفيق أو الموالفة بين السياسة والمال وإدارة الأزمات الدولية الناجمة عن سياسات الإدارات الأميركية المتعاقبة على الحكم.‏ 

فالخارجية الأميركية التي رعت شراذم المعارضة السورية في الخارج وأنتجت هياكلها البالية بدءا بمجلس اسطنبول الأخواني المصغر وصولاً إلى مجلس الدوحة الأخواني الموسع، وسلحت سراً وعبر أدواتها ووكلائها من أتراك وقطريين وسعوديين الجماعات المسلحة الإرهابية التي تمارس أعمال القتل والنهب والتخريب على الأرض السورية، ما تزال تمارس نفس الدور. 

والسؤال المهم، متى كانت أميركا صديقة سورية! ومن أي زمن أصبح كل من فرنسا وبريطانيا وتركيا العثمانية من الأصدقاء الخلّص للشعب السوري. وهناك من يقول ''من جرب المجرب عقله مخرب. أوليس أبطال ''سايكس بيكو'' هم فرنسيون وانجليز! أوليس ''بلفور'' وزير خارجية بريطانيا هو من منح فلسطين إلى الصهاينة كوطن قومي لهم ليكونوا أداتهم في تحقيق أهدافهم وكأنه ورث فلسطين عن الانجلو ساكسون! أو ليست تركيا من استعمرت المنطقة العربية نحو أربعة قرون من الزمن وأخذت أبناءها إلى الفقر والمرض والجهل!

لقد تجاهلت جوقة أعداء الشعب السوري الأعمال الإرهابية والمجازر والجرائم التي تقوم بها الجماعات الإرهابية المسلحة كداعش والنصرة وأخواتها، والتي تتلقى دعماً عسكرياً ولوجستياً ومالياً وسياسياً من تلك الدول التي تناصب سورية وشعبها العداء، كما تجاهلت الجهود التي بذلتها الحكومة السورية من أجل إطلاق الحوار الوطني والتسهيلات التي قدمتها للسوريين من الخارج، وحتى للذين حملوا السلاح من أجل الجلوس على طاولة المفاوضات والوصول إلى حلّ يحفظ وحدة سورية أرضاً وشعباً، ويحقق طموحات الشعب السوري في بناء مستقبله، بعيداً عن أي تدخل أجنبي، الأمر الذي يؤكد أن الجوقة المتآمرة التي اجتمعت في لندن، لا تريد لسورية الاستقرار والأمان، فهي تعمل جاهدة لسفك المزيد من الدم السوري وإضعاف سورية.

ويبقى السؤال لماذا سورية؟ ولماذا لا يعقد رعاة الإنسانية مؤتمر ''أصدقاء الشعب الفلسطيني'' أو مؤتمر ''أصدقاء الشعب البحريني''؟ لماذا يتغاضون عن مجازر آل خليفة؟ لماذا لا يطالبون بتدخل عسكري دولي لإنقاذ الفلسطينيين والبحرينيين؟

وأجدني مضطراً أن أسأل شيوخ التخلف النفطي والغازي من آل سعود وآل ثاني وآل خليفة، أين مؤتمر أصدقاء الشعب الفلسطيني حتى يسارع الأعراب لعقد ما سمي بمؤتمر أصدقاء سورية لطعن الصميم العربي في مقتل؟ آلاف الأسئلة تتسارع إلى واجهة الذاكرة العربية... هل بات لعق الدم العربي إدماناً عربياً قبل أن يصبح هذا الدم سبيلاً للهدر على مذبح العروبة...؟ ‏ 

كنا نتمنى أن يسارع العربان إلى عقد مؤتمر، بالسرعة ذاتها ليس أكثر، لعقد ما سموه ''مؤتمر أصدقاء سورية'' من أجل ما يشهده العالم من استباحة عنصرية إسرائيلية للمسجد الأقصى، حيث إن الاعتداءات اليومية، لم تكن سوى سلسلة متواصلة من اعتداءات عنصرية إسرائيلية دائمة على المقدسات العربية والإسلامية...! ‏ 

هل من عاقل سوي عربي لديه بعض ضمير أو مروءة وكرامة وحس إنساني عروبي لم تحركه هذه الاستباحة الصهيونية لكل مقدسات العرب، فالأقصى عاصمة القدس والقدس عاصمة القداسة، والعرب في غيّهم يسرحون وينفضون الغبار عن وجوه تلطت وراء إسم العروبة يوماً وآن لها أن تخلع البرقع وتظهر على حقيقتها! ‏ 

فما يجري في فلسطين المحتلة من استباحات شاملة... لا يلزمه مؤتمر لطعن سورية... بل تلزمه هبّة عربية تفهم ـ حتى ولو كانت فطرية ـ أن ''إسرائيل'' فعل شيطاني استعماري مجرم، مهما لبس من لبوس وارتدى من أقنعة وأردية... ''إسرائيل'' هي استمرار لنهج استعماري بدأ مع الاحتلال واستمر خلاله ومن بعده لقتل كل بذرة عربية، من خلال قتل دواعي بعثها والعبث بأمن العروبة واستقرارها وإثارة كل مكامن الفتن الطائفية والمذهبية والعرقية لتمزيقها وتفتيتها... ‏ 

ترى هل ''مؤتمر طعن سورية'' أحد أضلع هذا العبث الشيطاني!؟ 

عندما لا يسارع العرب إلى عقد مؤتمر يماثله لطعن ''إسرائيل'' ووقف استباحتها فإنه سيكون كذلك، فالأقصى يمثل تلك البذرة والعدو مصمم على المضي في استباحته... ما دام يجد تهاوناً عربياً وإسلامياً وتغاضياً مستغرباً ومقصوداً عن ممارساته التي يعلنها صباح مساء، ممارسة وفعلاً لا قولاً... إنه يستهدف اجتثاث الوجود العربي ـ لإسلامي والمسيحي ليس من القدس وحدها، وليس من فلسطين وحدها، بل من الجغرافيا العربية كلها... ‏ 

نعم العرب في واد و''إسرائيل'' في واد آخر... وبعد أن نفضوا أياديهم من فلسطين ولم تعد قضيتهم، بدؤوا ينفضون أياديهم من العروبة... ويتلهون بشؤون وشجون تنسف عروبتهم ليتركوا ''إسرائيل'' وأميركا تعربدان وتعتديان وتستبيحان. ‏ 

ويبدو أن الخطة الجديدة هي أن (دع الشعوب تقتل نفسها ونأتي نحن لنكون المنقذين) وها هو ما يدعى مؤتمر أصدقاء سورية في نسخته الجديدة بلندن، يثبت ذلك وقبله أصدقاء ليبيا. والشعب السوري ليس بغريب عن وضع أوروبا أيضاً ووضعها الاقتصادي حيث يلبسون قبعة ''جورج مايكل'' حتى لا يفرط اليورو لديهم، وكلاب الطابور الخامس، فهم سيخرجون من هذه العملية أثرياء بمقياس وضعهم سابقاً ولتذهب البلاد والعباد إلى جهنم وبئس المصير، لذلك لم يقتنع الشعب السوري أبداً بجدية هذه الفورة مستفيداً مما يعرفه عن وضع أميركا وأوروبا هذا دون الدخول بتفصيل الطموح الروسي والطمع الصيني الاقتصادي المنفصل عن أولويات أميركا وأوروبا، فقد نجح العربان بأن يجعلوا من الولايات المتحدة الأميركية شريكاً حقيقياً لتنظيم القاعدة من أجل تحقيق الربيع العربي.

لابد أن نقرّ أن إطلاق العبارات الفارغة من قبل الساسة العرب والأمريكيين والأوروبيين يجب أن يعاد بها النظر، وأن يعترف هؤلاء بانزياح الخط البياني الذي رسموه على مدى أشهر مضت، وزودوه بكل الإمكانات مالاً وسلاحاً وعصابات لينالوا من سورية، وهم دون شك لم ولن ينالوا من هذا البلد المقاوم، ولا من هذا الشعب الواعي والمنتمي الذي برهن للعالم سواء اعترفوا أو لم يعترفوا بأنه من أقوى الشعوب في الدفاع عن الأرض والكرامة.

أليس حرياً بهؤلاء أن يبدؤوا بالاعتراف بالعد التنازلي، وأن يحتفظوا بمالهم العفن الذي أصبحت روائحه تنتقل بين عصابات الإجرام من مكان لآخر، فإن رفضوا الاعتراف أو لم يرفضوا فسيان، كون تاريخ الأمة سيسجل بين صفحاته بأقلام سوداء سياسة المتآمرين خليجيين كانوا أم غير عرب، لتحكم الأجيال القادمة على هذا التاريخ الأسود وصانعيه، الذين لا هم لهم إلا تحقيق أهداف إسرائيل وأعوانها.

فهل سيطول الزمن ليتحرك الضمير العربي ويحكم على هؤلاء ملوكاً كانوا أم أمراء بما اقترفته أيديهم من تمزيق لوحدة الصف العربي وتقسيم الأمة وتجزئتها وضرب بنيتها الفكرية والاقتصادية والاجتماعية، بالوقت الذي تحتاج فيه هذه الأمة للتكاتف والتضامن لتبقى غنية بفكرها كما عرفها تاريخ الأمم، غنية بشعبها كما هي غنية بمواردها التي أصبحت نقمة نتيجة أطماع الغرب وإسرائيل، بهذه الثروات وحولتها من نعمة للأمة إلى خدمة لمصالحها.

فهمسة العتب شملت كل من يخطو باتجاه هذا التدمير بالشكل، وكل من يحاول الاستمرار في ضرب وحدة سورية، وكل من يتآمر لمصلحة أعداء الأمة، فآن الأوان أن يعرف الجميع حجم المؤامرة التي تتخذ عناوين وتستخدم أشخاصاً أو تعقد مؤتمرات وبالنتيجة كل ما يجري سينتهي إلى مقبرة التاريخ.‏ 

أميركا وفرنسا وبريطانيا وباعتبارها الدول التي تقود ''ائتلاف الدوحة'' الذي تشرف عليه مملكة آل سعود اليوم، نصبت نفسها وصية على الشعوب وصديقة حميمة لهم، وهي في الأصل صاحبة تاريخ استعماري، ويشهد سجلها الأسود على ارتكابها أفظع الجرائم بحق الإنسانية جمعاء، فهي تمارس إرهابها المنظم ضد الشعوب تحت ذرائع الديمقراطية وحقوق الإنسان وهي أكثر الدول انتهاكاً للحقوق والحريات، ومتاجرة بالدماء لتحقيق مصالحها الاستعمارية، ولكن سعيها الحثيث لعرقلة المؤتمر الدولي بأساليبها الملتوية يؤكد حقيقة واحدة وهي أن مشروعها التدميري قد تهاوى وبات يلفظ أنفاسه الأخيرة، لذلك تحاول التعويض قدر الإمكان عن فقدان هيبتها، ولكنها في النهاية ستنصاع صاغرة لإرادة الشعب السوري لأنه صاحب الحق الوحيد في اختيار مستقبله، وإعطاء الشرعية الحقيقية لمن يمثله.‏ 

ومع ثقتنا بأن أعداء سورية الأميركيون والغربيون والسعوديون والقطريون والأتراك العثمانيون وصغار العملاء التافهون الساقطون لن يتوقفوا عن التآمر على سورية الوطن والشعب والقيادة بكل الأساليب، إلا أن الواجب يدعونا لأن نقول لهم: أيها القادمون من خارج التاريخ تعتقدون أنكم يمكن أن تصبحوا داخله إذا جلستم مع من يوهمونكم أنهم صناع الحضارة على الأرض وكتبة الصفحات الجديدة من التاريخ، وهم في حقيقتهم وبما ارتكبوا من جرائم وشوهوا من أحداث واضطهدوا من شعوب ودمروا من بلدان ونهبوا من ثروات في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان وليبيا وغيرها ليس لديهم إلا صفحات سوداء فارغة لفظها التاريخ خارجه ورماها في مزبلته.

أيها القادمون من خارج التاريخ بعباءات التخلف الوهابي ورجعية فتاوى الجنس والنساء التي تحميكم، تعتقدون أنكم إذا أنفقتم المليارات من الدولارات من أموال بلدانكم التي سرقتموها بعد أن نصبكم على حكمها سادتكم الأميركيون والبريطانيون على شراء ذمم وضمائر من لا شرف ولا كرامة لهم، ودفعتموها بسخاء لأصحاب الأيدي الآثمة ثمنا لقتل الأبرياء وتخريب البلاد كما في سورية ممن سلحتموهم بحقدكم وشركم الذي لم يعرف تاريخ العرب منذ فجره مثيلا له ببشاعته، تعتقدون أن الزمان سيسمع فحيحكم والتاريخ سينصت لعوائكم، لكن خسئتم فأنتم لستم سوى نكرات وأقزام، تعرفون أن المال لا يصنع رجالا لهم قيمة ومكانة، والمشي على عصي بهلوانات الغرب مهما طالت لا تجعل القزم عملاقاً، والإمعة التابع مهما ارتدى وتزين وتعطر سيظل إمعة يضحك عليه حتى المهرجون.

وآخر الكلام، إن الشعب السوري يقول لكم يا من تعتبرون أنفسكم المنقذ، وأنتم لستم أكثر من ذئاب تتحين الفرصة للانقضاض عليه. إن الشعب السوري فهم تماماً أين تتوجهون، قبل أن يعقد مؤتمركم المشؤوم الشبيه بسايكس بيكو، ولن يقول لكم إن الشعب السوري بعد مؤتمركم أصبح أكثر إصراراً بتمسكه بوطنه وقائده، وأن مؤتمركم هذا أثبت صحة الرؤية السورية، بأن مجموعة البلطجة التي تمثل ما تسمونه المعارضة بعرفكم، ما هم إلا قطاعوا طرق يرتدون ربطات العنق، ويستجدون لقمة عيشهم، ويلهثون للوصول إلى المناصب على حساب الدم السوري، ليدخلوا سورية على الدبابات الإسرائيلية، ونطمئن من يدعون أنهم ممثلون للشعب السوري وهم بعيدون كل البعد عن ذلك، بأن مؤتمرهم بلندن فشل كما فشلت مؤتمرات سابقة.