قصة الأمس..قصة اليوم..!

 

لا يمكن القول أن الدولة العراقية القائمة، ليست إمتدادا لما قبلها، صحيح أن تغيرا كبيرا قد حصل في الوجوه التي تدير مفاصلها، خصوصا في الصفوف الأولى، لكن ما إن نتطلع في ملامح الوجوه التي تتراص في الصفوف التي تلي ذلك الصف، حتى يتبين لنا أن تلك الصفوف معبأة بوجوه من الدولة التي يفترض أننا نريد بناء دولة مناقضة لها..!

وفي علم الإدارة، فإن معظم القرارات والتصرفات ،لا تتخذها وجوه الصف الأول، فتلك الوجوه يجهز لها رجال الصفوف التالية معظم القرارات، فيتركونها بعضا من الوقت في أدراج مكاتبهم بإدعاء قراءتها وتدقيقها وتمحيصها، لكنهم يقومون بإقرارها والمصادقة عليها كما وردتهم، وتعاد الى من وضبها وصنفها وسود صفحاتها بغية تنفيذها..

وهكذا بالحقيقة لم يتغير شيء مهم من أساليب الإدارة، التي كانت تسير عليها الدولة السابقة، والذي تغير فقط بعض القشور والتسميات..!

هذا الواقع يعني أن الثمن الذي دفعناه لتغيير نظام الدولة السابقة، لم نقبض قبالته سلعة جيدة وجديدة، بل كنا مدفوعين بنشوة التغيير فإشترينا نفس البضاعة البائرة، وهي بضاعة لم تنتج فيما مضى إلا دولة فاشلة، وستنتج دولة أكثر فشلا، إن لم نلحق أنفسنا ونسعى الى إستبدالها..!

وتوصف الدولة بأنها فاشلة، إذا أخفقت في تحقيق وظيفتها الإدارية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويصبح حقها في الوجود موضع اختبار أولا ثم موضع انتقاد، الى أن تفقد مبرر بقائها لفقدها القدرة على ممارسة وظائفها، و من نتاج فقدها لوظيفتها؛ أنها تصبح خطراً ليس على مجتمعها وحده، بل على محيطها والعالم.

تبدو الصورة قاتمة بعض الشيء، وأن كانت الآمال ليست كذلك، إذ يكمن خطر الدولة الفاشلة على مواطنيها، بإخفاقها في تنفيذ مفردات العقد الاجتماعي المبرم مع الشعب (الدستور)، و بناء الدولة الجديدة، مازال يصطدم ببقايا فلسفة الدولة السابقة، التي مازالت تلقى رواجا بيننا ليس لصلاحها، بل لأن البديل غير واضح المعالم، وأن ثقافة قرن بأكمله، لا يمكن محوها بعشر سنوات، ويبدو أننا سنشهد حلولا عملية بعمليات قيصرية، لمشاكلنا الناجمة عن إخفاق الدولة السابقة، وبقاء تأثيراتها بيننا...

أننا نمر اليوم بمرحلة تشكل جديدة، ليس من المتوقع في نهايتها، أن تكون دولتنا هي تلك التي يتصورها الكثيرين، فمعالجة المشاكل الموروثة بحكمة، تقتضي صبرا وقبولا بتضحيات وآلام شديدة، إذا أردنا التأسيس لدولة صالحة للبقاء، وإذا كنا نريد أن نؤسس لما يستمر، علينا إعادة النظر باستمرار، بمفردات عقدنا الاجتماعي (الدستور)، للوصول الى صيغة صالحة للبقاء والتداول الطويل، علينا أن نحترم إرادات بعضنا البعض، ومن بينها كل الحقوق الأساسية، وليس من وسيلة أمامنا إلا بعدم إقسار مكوناتنا على مالا تراه مطمئنا لها.

 وكمثال واحد فقط لموضوع البحث، فإن إنشغالات ورغبات الكورد، وهم مكون الشعب العراقي الرئيسي الثاني، فيما يتعلق بقانون الإنتخابات لا يمكن تجاهلها، كما لا يمكن القبول بسقفها الأعلى، ويتعين تطمين إنشغالاتهم بطريقة عملية، لا تنتقص من حقوقهم وإستحقاقاتهم، ولا تسمح بالكسر من رغيف الآخرين..وتلك هي المعضلة..!

كلام قبل السلام: إن الغراب و كان يمشي مشيـة فيما مضى من سالف الأجيال

                      حسد القطا و أراد يمشي مشيها فأصابه ضرب من العقــــال

                     فـأضل مشيته و أخطأ مشيهـا فــلذلك كنوه "أبــا مرقـــــــال"

 

سلام.....