الناس الذين خرجوا إلى الشوارع للتعبير عن وجهة نظرهم في مواضيع وقضايا معينة، وبعضها كان يمس صميم نظام الحكم في بلادنا أساسه، والمطالبة بحقوق مشروعة، لم تذهب جهودهم سدى، بل كان لها صدى واثر بهذه الدرجة او تلك، ومن ذلك ما له علاقة بشأن الرواتب التقاعدية للنواب ومجالس المحافظات والهيئات المنتخبة لاداء مهمة معينة خلال فترة زمنية محددة، والامر هنا يختلف في ما يخص موظف الخدمة العمومية، ايا كانت درجته. لقد اتخذت المحكمة الاتحادية قرارا ما زال موضع جدل لجهة تجزئته، ولم يعرف لحد الان من شمل به: رئيس مجلس النواب ونائباه ام أعضاء مجلس النواب؟ ولكن يبقى السؤال المهم هل هذا هو كل الموضوع؟ وهل هذا الاجراء سوف يقربنا من العدالة الاجتماعية المبتغاة؟ وهل هذا سيحفظ المال العراقي العام من الهدر والتبذير الجاري على قدم وساق، وباشكال وصيغ متعددة؟ وبالمناسبة والعهدة على مسؤول العلاقة مع العراق في البرلمان الاوربي السيد استرون استفنسون فان 800 مليون دولار من الاموال العراقية تهرب الى خارج البلد اسبوعيا. الموضوع، كما ارى، ليس في الراتب التقاعدي من عدمه، بل في عدم معقولية وضخامة رواتب الدرجات العليا، وفي ترتيب الاولويات ذات الصلة بالموضوع، وما ينبغي التركيز عليه في الحراك الشعبي المتواصل، وبكلام أخر المشكلة الأولى سياسية بامتياز تتعلق بنظام الحكم المتبع، وما يفرزه كل يوم نظام المحاصصة، والذي غدا غطاء للتستر على الفاسدين والمفسدين، وما يسببه ذلك من هدر كبير وواسع للمال العام، ما زال متواصلا، والرواتب، رواتب الدولة كلها، هي غيض من فيض، وقطرة في بحر من الهدر اليومي، لنلاحظ فقط حجم الأموال التي اختفت ولا اثر لها. والمشكلة الاخرى، في هذا السياق، تكمن في الاصرار العجيب على ابقاء هذه الفجوة الكبيرة بين الحد الاعلى والحد الادنى للرواتب والتي تقترب من 60 مرة، وهي ظاهرة فريدة على الصعيد العالمي الذي يقول بان الفجوة يفترض ان لا تزيد على 25 ضعفا، مع العرض بان جبهة الانقاذ المصرية قد طالبت بان لا يزيد الفرق على 15 مرة، ومعلوم ان الراتب التقاعدي يعتمد على مقدار الراتب المدفوع اثناء الخدمة. ولن يعالج الموضوع ما لم يعد النظر بسلم الرواتب وتعتمد منظومة جديدة تردم هذه الهوة وترفع الحد الادنى للرواتب بما يتناسب مع مستوى المعيشة والتضخم، سلم جديد يلغي الفوارق بين رواتب العاملين في وزارات الدولة وهيئاتها ومؤسساتها، اليس من المضحك ان من يقدم الشاي في الرئاسات الثلاث يفوق راتبه راتب من يحمل شهادة الدكتوراه في الوزارات عدا التعليم العالي؟ وهل تعرف عزيزي القارئ ان للعاملين في المنطقة الخضراء مخصصات لم ينزل بها من سلطان، على سبيل المثال لا الحصر بينها مخصصات خطورة، حقا شر البلية ما يضحك، مخصصات خطورة للمنطقة الخضراء، وهي المحصنة، فماذا نصرف للعاملين في المناطق الساخنة؟. والنقطة الاخرى المهمة هي غياب منظومة الخدمات العامة، وتخلي الدولة في العديد من المجالات عن مسؤولياتها، لناخذ كمثال الخدمات الصحية، التعليم، النقل العام، الكهرباء. وفي هذا السياق، ايضا، لا بد من تأشير غياب منظومة متكاملة للضمان الاجتماعي، وبؤس ما تقدمه الرعاية الاجتماعية. بالتاكيد لن نكون الا مع الحراك، ولكن الحاجة تمس الى ترتيب اولوياته وتوحيد اهداف فعالياته حتى لا تضيع الجهود وتتبعثر.
|