ابناء الاخطبوط

 

كُتُب علم الأحياء تذكر ان التكاثر بين ذكر الأخطبوط وأنثاه يجري عن بعد أي من دون اتصال بين جسديهما، حيث يمد الذكر أحد مجساته الطويلة المنتهية بميزاب (مزراب) ويدخله في تجويف يؤدي إلى المبايض، وهناك يفرغ الذكر جرعات من حيواناته المنوية، وتقوم الأنثى بالاحتفاظ بها لعشرة أشهر، وذلك داخل غدة تقع بالقرب من المبايض، وعندما تجد الأنثى عشاً ملائماً يحفظ بويضاتها، تقوم بوضع البويضات الملقحة التي يصل عددها إلى 200 ألف بويضة فيه. وتبقى تحرسها وتتوقف عن التغذي، وتستمر عملية حضانة البويضات بين أسبوعين و11 أسبوعاً، ويعتمد ذلك بالطبع على درجة حرارة المياه. والمفارقة المثيرة ان أنثى الإخطبوط تتعرض للموت عقب هذه المدة لعدم حصولها على أية تغذية، ويقال أن الإخطبوطات الجديدة المولودة تكون يتيمة الأم، بمجرد خروجها من البويضات ورؤية نور الحياة، يتوجب عليها البحث عن غذائها باستخدام 3 شفاطات في كل ذراع أو مجس.
انهار العراق لا تعرف الإخطبوط ، وان وجد فيكون مكانه في متحف التاريخ الطبيعي او المراكز المختصة بدراسة علوم البحار ، ولكن اسم الكائن البحري وصفاته وقدرته على" الشفط" بواسطة مجساته ، وشكله وحركته ، أكدت حقيقة حضوره في المشهد السياسي ، ولإثبات هذه الحقيقة يشير أصحاب نظرية " الحركة الإخطبوطية في الحياة السياسية" الى وجود عشرات الأحزاب الدينية في العراق ، بعضها يشغل مقاعد في مجلس النواب ، ومنها من يعد طرفاً رئيسياً في الحكومة الحالية ، فضلاً عن امتلاكها قاعدة شعبية ، واستناداً الى حقيقة ان الحزب الديني وانطلاقاً من عقائده يمتلك القدرة على كشف الحرام والحلال ، والتفريق بين الحق والباطل ، فضلا عن تسخير كل جهوده وإمكانياته لنصرة المظلومين ، إلا انه لم يستطع ان يقف ضد استشراء الفساد في العراق ، وبطريقة تكاثر الإخطبوط ازدادت أعداد المفسدين .
وجود عشرات الأحزاب الدينية العاملة في الساحة السياسية العراقية يعني ان البلد خال من الفساد المالي والإداري ، وجهازه التنفيذي نزيه ، لان اغلب الموظفين الحكوميين ان لم يكونوا منتمين لقوى دينية فهم من اتباعها ، او مؤيديها ، الأمر الذي يعني ان العراق لم يرد في قائمة الدول الأكثر فساداً في العالم ، وواقع الحال يكشف عن حقيقة أخرى تحتاج الى ثورة إصلاحية كبرى للقضاء على أبناء الإخطبوط المنتشرين في كل المؤسسات الحكومية ، وتناسلهم مستمر وبنجاح ساحق في ظل وجود بيئة مناسبة للتكاثر ، فيما يعاني العراقيون منذ سنوات مشاكل مستعصية من ابرزها ما يتعلق بالملف الأمني ، وتراجع الأداء الحكومي في تقديم الخدمات ، وانشغال ممثلي الشعب في البرلمان بسجال لم ينقطع ، حول مشاريع قوانين معطلة .
ظاهرة أبناء الإخطبوط تكمن خطورتها بوقوف جهات متنفذة وراءها تزعم وتدعي حرصها على تحقيق العدالة الاجتماعية وإرساء قاعدة بناء دولة المؤسسات ، ورفع المظلومية عن الشعب العراقي وإنقاذه من معاناة استمرت عشرات السنين ، أمام الأحزاب الدينية العراقية ولاسيما صاحبة التأثير في صنع القرار الحكومي فرصة إعلان البراءة من أبناء الإخطبوط ، انطلاقا وإيماناً بعقيدتها ورسالتها في تحقيق العدل على الأرض قبل حلول موعد يوم القيامة ويوم لاينفع مال ولا إخطبوط .