عن ضميرنا والضمير الحي...

 

على رِجال الدين وخطباء منابِره أن يعلموا أن اغلب الناس الذين يحضرون للاستماع لهم ولِخطبهم لا يحضرون للاستفادة من الحِكم والمواعظ في هذه المحاضرات (إن وجدت) وتطبيقها على ارض الواقع، وإنما من اجل هدف آخر مختلف تماماً وهو "التبرك بالجلوس في هذه الأماكن من اجل أن يرزقهم الله بطفل أو بوظيفة أو بالشفاء والحماية من الأمراض أو للنجاة من نار الآخرة".

لذلك لا نرى أي تغيير إيجابي في سلوك الفرد الذي يحضر إلى هذه المحاضرات يُمكن أن ينعكس عليه وعلى تصرفاته اليومية وعلاقاته مع الناس.

نفس الأمر يحدث مع الأغلبية من زائري الأماكن والمراقد الدينية المقدسة فأغلبية أولئك الزائرين لا يذهبون لتخليد مسيرة ذلك الإنسان النبيل (شهيد المبادئ والقيم) في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدق والشجاعة ورفض الظلم والظالمين و.. وتطبيقها على أرض الواقع، بقدر ما ينتظرون وينشدون الرزق المذكور سابقا.

لذلك ورغم الكلام الطويل والتهديد والوعيد من خطيب المنبر الديني وتحذيراته للجالسين بأن نار جهنم وعذاب البرزخ وأفاعي وعقارب القبر سوف تلتهم كل من لا يخاف الله ويكذب ويتجاوز على حقوق الآخرين فإن ذلك الشخص الجالس في المحاضرة لا يتعدى تأثير هذا الكلام فيه سوى تلك الدقائق التي يقضيها في ذلك المكان لأنه لم يأتِ من اجل هذا الهدف أصلا.. "وإن أصبح نادراً أن يخوض الخطيب في هذه المواضيع والنصائح، فأغلب الخطباء ينصب حديثهم على أحداث تاريخية حدثت مُنذ مئات وآلاف السنين".

في المقابل، نرى شعوبا لا تعرف شيئا اسمه عذاب القبر ونار جهنم ولا"زيارة الأربعين ولا التختم في اليمين ولا تلطم على الحُسين ولا اتطبر" ولكنها مُخلصة في عملها وتحترم القانون وتعمل ليلا ونهارا من أجل جعل البشرية أفضل، سواء باكتشافها للأدوية واللقاحات التي تقضي على الأمراض أو بالاكتشافات العِلمية والتكنولوجية أو بإخلاصها في عملها وحرصها على تحقيق اكبر قدر من التكافل الاجتماعي في مجتمعاتها لدرجة أن ملايين "الناس المتدينة" تحلم وتتسابق من اجل العيش تحت رحمة تلك المجتمعات "غير المتدينة".

إخواني يا رِجال الدين وخطباء منابره لِنُفكر بيننا وبين أنفسنا.. "يا تُرى ما الذي يُحرك تلك الشعوب (غير المتدينة) لعمل الخير والإخلاص فيه مع العِلم إنها لا تخاف من نار جهنم ولا تطمح بالجنة في الآخرة؟

ما الذي يجعل تلك الشعوب تخلص في عملها بإقامة الجسور والمباني العملاقة والمستشفيات و.. وتبتعد عن الغش في صناعاتها "رغم إنها لم تسمع بالحديث النبوي من غشنا فليس منا"؟

كيف يقوم شخص بالعطف على حيوان ويُعالجه ويهتم فيه وهو لا ينشد في داخله كسب الأجر والثواب من هذا العمل؟ ما الذي يُحرك إنسانا غير متدين ولا يطمح للحصول على حوريات الجنة تجاه الصدق والإخلاص بعمله في تبليط شارع؟

ما المانع الذي يمنع أغلب الموظفين غير المتدينين في تلك المجتمعات التي لا تعرف تقليد مراجع الدين ولا تحصل على المستحدثات الشرعية منهم من أخذ الرشوة؟!

هل هو الضمير الحَي؟

طيب.. لماذا لا يحرك ضميرنا آلاف المعممين وعشرات مراجع الدين والأضرحة الدينية؟