مبروك للسيد المالكي لقد اجاد التسول

 

عنون السيد نوري المالكي مقالته المنشورة في جريدة النيويورك تايمز بـ "اصبروا علينا" وهو عنوان لا يليق برئيس وزراء، لا كمنصب او شخص، ففعل اصبروا يحمل تلميحا بالخضوع واستعدادا لتقبل الاملاءات الخارجية ويجعل العلاقة بين الدولتين العراقية والامريكية تبدو كعلاقة التابع بالمتبوع، بل ان العنوان يشير وكأن الامريكيين اعتبروا العراق مقاولة حكم رست عطائاتها على حزب الدعوة ــ جناح المالكي، لكن المقاول الذي فازت عطائاته، اي المالكي وحكومته، لم يف بالتزاماته، فيطلب من اصحاب الامر الصبر عليه واعطائه مهلة بابقائه على كرسي السلطة فسيرون منه ما يسرهم.
ان عنوان مقال " اصبروا علينا" يتناقض مع ما تضمنته اشارة المالكي لقول الرئيس اوباما بوصف العلاقة بين الدولتين، العراقية والامريكية بـ " علاقة طبيعية قائمة على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل"، فعبارة اصبروا علينا لا تحمل معنى التكافئ، بل معنى التوسل ولاستجداء. ان هذه العبارة لا يختلف مضمونها عن تلك التي قالها وزير خارجية قطر عندما بان العرب يتسولون الرضا من الامريكين ولا يكتفون بالتوسل.
عنوان مقالة المالكي فضيحة سياسية بكل المقاييس، اذ لم يحدث ان كتب احد مهما بلغ صغر قدره مخاطبا ادارة حكم اجنبية باصبروا علينا!!
ليس العنوان انما حتى محتوى مقالة السيد نوري المالكي يعكس رغبة صارخة في شراء البقاء على كرسي الحكم للدورة التشريعية القادمة باي ثمن، لذلك جائت الكثير من العبارات والجمل متوافقة ومتناغمة مع اتجاهات السياسة الامريكية، وان لم تكن اطلاقا من منهجيات ولا من ادلوجيات حزب الدعوة، فاشارات التخلص من الاسلحة الكيمياوية والنووية تلمح الى الاستفادة من وجود المالكي على رأس السلطة وعلى استغلال مقدرته وتأثيره على اقناع ايران بالتخلي عن طموحها النووي، كما ان عبارات تجديد التعهد بمنع المواطنين من امداد أي طرف من أطراف الصراع السوري بالسلاح يشير الى ان العراق يسعى لمنع تجهيزات ايران لدعم النظام السوري.
مقال السيد المالكي لا يخلو من مفارقات مضحكة، فهو يتحدث عن ان التزام الحكومة العراقية بمنع اي جهة خارجية من استخدام الممرات المائية والبرية الجوية للعراق لتاجيج الصراع في الداخل السوري، لكنه يشير بان قدرة العراق تكون محدودة بوجود كل هذا العدد من الجيران الذين يفوقونه تسلحا الى جانب افتقار العراق الى قوة او دفاعات جوية، ولهذا السبب ولاسباب اخرى تطلب الحكومة العراقية بشكل عاجل تطوير دفاعات العراق الجوية.
نعتقد ان على السيد المالكي الاخذ بالحكمة الصينية التي تقول نم ليليتين قبل التكلم، فكلما تحدث على عجالة جاء كلامه على شكل هراء، فلا زال حديث عنتريات احمد المالكي محل التندر والتمسخر ليفاجئنا بعد ان اضحكنا باثارة استغرابنا، بقوله بانه لا يستطيع منع دول الجوار بامداد الاطراف المتقاتلة بالسلاح لانه لا يملك طائرات مقاتلة. لا يعي المالكي بان على العراقيين عدم الدخول باي صراع من اجل تنفيذ سياسة دولة او دول اجنبية؟، فقط عندما يكون هذا الصراع من اجل حماية الوطن ومن اجل الحفاظ على حياة المواطنين.
وهل يجهل المالكي بان الحكومة الامريكية نفسها لا تكتف بتجهيز الارهابين بالعتاد والسلاح انما تدربهم وتجهزهم بالمهارات القتالية في تركيا وفي الاردن وفي مناطق اخرى وترسلهم الى حيث تشاء.؟
وهل يجهل بان الامريكيين هم الممول الاول لكل هذا الارهاب في سوريا؟
ان تطوير القوة الجوية مصلحة وطنية لا ترتبط بتنفيذ سياسة تستفيد منها دول او تتضر دول اخرى، فسياسة التسليح يجب ان تكون ضمن معايير الدفاع عن السيادة الوطنية ولا ترتبط باتجاهات سياسات الدول المصدرة.
الامر المعيب والمخجل جدا، هو ان رغم كل المليارات التي صرفت على تسليح الجيش العراقي، ورغم كل تصريحات الوزراء المتعاقبين على وزارة الدفاع حول عقود وصفقات التسليح، وبعد مرور عشر سنوات على التغيير وبميزانيات انفجارية ضخمة، يصرح القائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي، بان العراق لا يملك طائرة مقاتلة واحدة!!
انها فضيحة معيبة في العرف الدولي، فعشر سنوات تعني ان جيل مر وانقضى ولم نستطع ان نشتري طائرة واحدة بينما في عشر سنوات، وعندما ياتي الاكفاء لحكم البلدان، قد تتمكن الدول من صناعة الطائرات ولا تكتفي باستيرادها فقط.
ان مجمل الافكار الواردة في المقال لا تخرج عن اطار محاولات نيل الرضا وكسب ود الادارة الامريكية وتوظيف الزيارة والخطابات للحصول على دعم امريكي يخفف ضغط دول الجوارـ السني بالتخلص من حكم المالكي ـ حزب الدعوة. ان السيد المالكي، وان كان افنديا، يرتدي البدلة الافرنجية، لكن كل ما قاله وما كتبه يعيره مظهرا خليجيا، فيبدو بكوفية وعقال ودشداشة فهو يستخدم نفس التملق ونفس التزلف ونفس الاستجداء الخليجي حيال اسيادهم الغربيين!!
رغم ان السيد نوري المالكي تحدث عن الارهاب في العراق، لكن لم يقل كل الحقيقة، اذ ان القتل والتفجير والاغتيال والخطف والموت اصبح روتين يومي يشهده العراقيون ويحملون وزر جرائمه وحدهم دون الطاقم الحاكم الذي يلوذ في المنطقة الخضراء ويحتمي بجيوش مدججة بالعتاد والسلاح ويبقى على عوائله في الخارج، وليس اسبوعيا كما يقول المالكي.
كما ان اشتداد الهجمة الاجرامية على المواطنيين ونجاح الارهابين في تنفيذ عملياتهم القذرة، ليس بسبب نقص سلاح الحكومة، انما بسبب فسادها واهمالها وتقصيرها بتنفيذ واجباتها. فالارهاب لا يستخدم الطائرات المقاتلة ولا يقصف بصواريخ عابرة للقارات ولا يملك تكنلوجيا عالية المواصفات، انما يبيد العراقيين بعبوات ومفخخات محلية التجهيز وسكاكين عمياء ومسدسات كاتمة وجد بعضها في حوزة مقاول يسكن المنطقة الخضراء ولم يحاسب على امتلاكه لها، انما اطلق سراحه وعاود عمله ولم يفسر لنا كيف لرجل من واسط وبظرف هذا القصير من السنين ان يكون ملياردير ويملك هذه العقارات وهذه الاملاك وهذه الشركات ؟!!
انه اسمن من القطط السمان الاخرى؟ انه عتوي المنطقة الخضراء كاسر عيون قططها!!
كما ان عصابات الخطف والجريمة المنتشرة في عراق يحكمه (الشفية) المالكي تتالف من مراهقين اغبياء جلهم اميون، وليس جهابذه ارهاب، انهم مجرد زعاطيط لا يحسنون الكلام وادمغة فارغة ملئها اخوان المالكي الاسلاميون بالاجرام والانتقام الديني!!
في عهد الاستحواذ الحكومي المتنفذ على ثروات البلد، اصبح الارهاب مهنة وتصريحا لا يتردد الشباب من اعلانه من على شاشات التفلزة ان لم يتلفت الى مشاكلهم الجمة.
الديمقراطية النابضة، تعبير جديد لعل السيد المالكي قد استعاره من فلذكات النرجسي المفتون ابراهيم الجعفري فيقول:ـ
"وبينما نحن نخوض غمار المنازلة مع المتطرّفين العنفيين ترانا نعمل جاهدين أيضاً على بناء ديمقراطيتنا النابضة"
ويستمر بالقول:ـ
"فالعراقيون يميّزون الفرق بين الهجوم الإرهابي والاحتجاج السلمي ويحترمونه"
اما ان يكون المالكي ثعلب مراوغ او انه مصاب بالخرف المبكر، فالمشكلة ليست بقدرة المواطنين على التمييز بين الارهاب وبين الاحتجاج السلمي، وهذا امر مفروغ منه، انما في قدرة الحكومة على التمييز بين الاثنين، فهي، اي الحكومة لا تستعد لمواجهة الارهابيين بمثل ما تستعد لقمع الاحتجاجات السلمية، فكيف للمالكي وبوقاحة غير مسبوقة، التنكر لاعمال القمع والتنكيل والاهانة بالمتضاهرين، الذين لم تبلغ بهم الجراة حد مواجهه طغيان حكومة المالكي الفاضح، انما اكتفوا باحتجاجات سلمية وشعارات مطلبية غاية في الطيبة لا تحمل طابعا سياسيا، تنص على الغاء تقاعد النواب، الذين نفس المالكي يشن حملة اعلامية ضدهم لتعطيل دورهم الرقابي وتحويلهم الى مجرد وجود بايلوجي عادم.
لم تسمح حكومة المالكي ولا مرة واحدة بمظاهرة ان لم ترفع فيها صوره وتمجد اوهام انجازاته وتمجد شخصه، انها ديمقراطية نابضة بحب المالكي لا يقتنع بها الا المغفلين.
ديمقراطية حزب الدعوة تنبض بالفساد والحرمنة وقمع الضعفاء والسيطرة على الثروات وتحصيص الارض بين قطط الاسلام السياسي السمان بحيث اصبح من النادر وجود ارض حرة لم يستول عليها السياسيون او لم تدفع كرشوة وكشراء ذمة لشيخ او رئيس عصابة جهادية..
لا المالكي ولا وفده ولا مقاله يحملون وجعا والما عراقيا شعبيا بل ولا حسا او طموحا سياسيا وطنيا، ان هدف الزيارة هو السماح للمالكي البقاء في الحكم لولاية عجفاء اخرى...ونعتقد انه نال القبول والرضا، فقد احسن التسول!!
لكن ان صبر عليه الامريكيون هل يصبر الشعب عليه؟