الذي بقي عصيا على فهمنا ومداركنا حتى الآن هو : تلك القسوة و الوحشية المفرطتين ، اللتين مارسها ويمارسها العراقيون فيما بينهم و ضد بعضهم من خلال خصوماتهم وصراعاتهم و نزاعاتهم السياسية والمذهبية والقومية ، والتي بلغت حد ارتكاب سلسلة طويلة من مجازر جماعية رهيبة بحق بعضهم ، بعضا مصحوبة بضراوة البطش و التنكيل ، وبروحية سادية هائجة ومتذئبنة إلى أقصى الحدود ، ولكنهم كانوا دوما لطفاء وملائكة لحد الخنوع و الإذلال مع أعداء بلادهم .. إذ منذ سقوط النظام السابق و حتى الآن برزت ثمة دول وحكومات كقطر و السعودية وسوريا ــ قبل الانتفاضة ــ و كذلك إيران وفيما بعد تركيا أيضا ، فحكومات هذه الدول قد ناصبت العراق عداء شديدا وكرها مديدا تجسدا ماديا ومعنويا لدعم الإرهاب المعربد في العراق منذ عشر سنوات وحتى الآن ، الأمر الذي نجم عنه سقوط عشرات ألوف من الضحايا القتلى و أعداد هائلة من الجرحى والمعوقين .. فماذا كان موقف العراقيين ــــ سواء كنخبة حاكمة أو مواطنين " عاديين " ــ من هذه الأنظمة والحكومات غير الاستجداء الدائم لرضاها والتملق لمسئوليها والمداهنة لمواطنيها المدفعين عن النظام العراقي السابق ، والتدافع من أجل الحضور في قصورها ولعب دور أو إدلاء بتصريح في فضائياتها أو الكتابة في باقي وسائل إعلامها ، مع إن هؤلاء الساسة وغير الساسة من العراقيين كانوا يعرفون جيدا بأن هذا الإعلام طافح بالأحقاد المزمنة ضد غالبية العراقيين وتبث سموما من كراهيات وعمليات تحريض وتبغيض ضدها ، لتتكالب عليها كل الذئاب المهووسة بلعق دمائها وتقطيع أجسادها أربا أربا .. ومع ذلك نرى العديد من هؤلاء العراقيين يدافعون عن حكومات السعودية و قطر وإيران وتركيا وغيرها ممن تتدخل في الشأن العراقي أو تموّل الإرهاب في العراق .. بينما احتاج الأوروبيون بعد سقوط الهتلرية إلى عشرات سنين ليتحرروا من بغضهم ومقتهم للألمان بسبب جرائم وفظائع النازيين التي اُرتكبت بحقهم .. حقا إن هذا التصرف عصي على الفهم أو الإدراك .. أم إن السبب يرجع إلى كون العراقيين ليسوا شعبا متكاملا وإنما مجرد أقوام و قبائل متنازعة وذات ميول مختلفة وارتباطات غريبة ، الأمر الذي يجعلهم يراهنون على العدو الخارجي و ذلك نكاية بالخصم أو العدو الداخلي ؟!..
هذا مجرد سؤال فحسب : كما إننا لا نبغي التعميم قطعا ..
|