جذور المشكلة في النظام السياسي العراقي، فالنظام الديمقراطي يمنح الجميع حقوقاً سياسية متساوية، لكن النظام التحاصصي في العراق انحرف عن ذلك، في فرضه تمثيلاً محدداً للطوائف والإثنيات في السلطة التشريعية، كما ضمن لهم التوافق حصة في السلطة التنفيذية ولو لم ينتموا للأغلبية البرلمانية، وفي المناصب الرئيسية والوظائف العليا من دون اعتبار كبير للجدارة.
يعد الانتقال من النظام الموحد إلى الفدرالية استثناءاً شاذاً على مسيرة التطور السياسي في العالم، فالدول الفدرالية تكونت من اتحاد دول أو دويلات كانت سابقاً منفصلة أو شبه مستقلة، كما هو الحال في أمريكا وكندا والهند وإيطاليا وألمانيا وغيرها، أما في العراق فالفدرالية وحق تكوين الأقاليم نشاز على التجارب السياسية العالمية في دفعهما نحو تفكك وانحلال الكيان العراقي الموحد أصلاً.
الهدف الرئيسي من التحاصص هو دفع العراقيين إلى التمترس داخل طوائفهم أو جماعتهم الإثنية، مما يجعل من المستحيل أو الصعب جداً نشوء أحزاب وطنية عابرة للطوائف والإثنيات، ويعزز الانتماء الطائفي والإثني على حساب الهوية الوطنية الموحدة، وهو إسفين آخر أحدث شرخاً كبيراً في بنية المجتمع العراقي، ولم يجني أحد منفعة من التحاصص، وإن وجد فهي منافع آنية، وتبقى المحاصصة عقبة كأداء أمام أي مسعى لتكوين تنظيمات سياسية منفتحة على الجميع من دون اعتبار للطائفة أو الجماعة الإثنية.
كان التوافق الضربة القاضية التي لم تفقد النظام العراقي الوعي فحسب بل أصابته بالشلل النصفي، لذا نجده عاجزاً عن توفير خدمات أساسية على الرغم من توفر كل مستلزمات تحقيق ذلك، حتى أصبح من المعتاد شكوى المالكي من عصيان وزراءه المنتمين لأحزاب مختلفة.
بالنتيجة نجد أن الفدرالية والمحاصصة والتوافق الوطني تخدم في الظاهر والمدى القصير الأقليات لكنها وعلى المدى الطويل تضر بالجميع، وهذا النظام ليس فاشلاً فقط بل هو تخريبي، وسيؤدي بالبلد إلى التهلكة.
المالكي هو الرجل غير المناسب في هذا النظام السياسي غير المناسب، لأن المالكي فاقد للجدارة، فلا هو قائد كارزماتي، ولا يمتلك أي من سمات ومؤهلات القيادة، وهو أيضاً وعلى غرار حكام العراق السابقين مولع بالسلطة، ويطمح كما يبدو لاستنساخ تجربتهم في التسلط بالمكر والترغيب والترهيب، ويطمح لتوريث منصبه لإبنه، وثبت من التجربة بأنه فاشل في السياسة والإدارة والاقتصاد، والأدلة كثيرة: عملية سياسية متأزمة، وخدمات دون الحد الأدنى المقبول، وفساد إداري ومحسوبية ومنسوبية ورشوة، وهدر للأموال من دون تنمية أو اعمار ولو بالحد الأدنى المتواضع في المناطق المستقرة أمنياً في الوسط والجنوب.
المالكي في الواجهة، تتحمل طائفته جريرة أخطاءه، صلاحياته منقوصة، وأوامره غير مطاعة في بعض الوزارات، وحتى أعضاء حزبه والمؤتلفين معه خذلوه بإعترافه، عندما يدعي الإرهابيون وحماتهم ومناصريهم زوراً وبهتاناً بأن الشيعة يتسلطون على العراق فهم يقصدون المالكي العاجز، وهي الذريعة الواهية الوحيدة التي يستخدمونها لتبرير إرهابهم، والحصيلة أن وجود المالكي على رأس النظام السياسي التخريبي خسارة مزدوجة وتامة للشيعة.
الشيعة منقسمون، فئة تناصر المالكي، منهم المنكرون لمسؤوليته عن التدهور العام وآخرون يقرون بها لكنهم يتعصبون له طائفياً، أما معارضوه فيبدوا بأنهم لم يحزموا أمرهم، وهم يخشون الفراغ الذي قد ينتج من إقالته ويتخوفون من تعميق الانقسامات بين الشيعة.
الرجل غير المناسب في المكان المناسب مشكلة، وكذلك الرجل المناسب في المكان غير المناسب، والأدهى من هذين الإثنين أن يكون الرجل والمكان غير مناسبين، وهذا هو حال المالكي وزمرته والنظام السياسي اليوم.
لو ذهب المالكي وبقي النظام السياسي التحاصصي والتوافقي فسيواجه خلفه نفس العقبات الكأداء، فالمطلوب هو تغيير النظام السياسي والمالكي.
31 تشرين الأول 2013م
(للإسلام غايتان عظمتان هما الإحياء والاصلاح، ووسيلة كبرى وهي التعلم)
|