اصبروا علينا..

 

 

 

 

 

 

تخيّلوا كيف يمكن أن تكون ردّة فعل الأميركيين لو أن منظمة إرهابية راحت تعمل من داخل أراضيهم فتقتل العشرات وتشوّه المئات كل اسبوع. هذا ليس سؤالاً افتراضياً بالنسبة للعراقيين لأن القاعدة في العراق ومن انضموا إليها يمارسون بالفعل حملة إرهابية ضد شعبنا.
هؤلاء الإرهابيون ليسوا أعداء العراق وحده، بل هم أعداء أميركا أيضاً. لهذا السبب أنوي أن أقترح على الرئيس أوباما، حين ألتقي به في يوم الجمعة، أن نعمل على تعميق العلاقة الأمنية بين الولايات المتحدة والعراق من أجل مقارعة الارهاب والتصدّي لأسباب القلق الأمني الاقليمي الأوسع، بما في ذلك الصراع الدائر في سوريا والخطر الذي يمكن أن يشكّله انتشار الأسلحة النووية والكيمياوية والبايولوجية في المنطقة.
لقد انقضت سنتان تقريباً على انسحاب القوات الأميركية من العراق، ولكننا رغم التهديدات الإرهابية التي نواجهها لا نريد من الأميركيين أن يرسلوا قوات إلى أراضينا، بل نطلب منهم وبشكل ملحّ تزويد قواتنا بالأسلحة التي تحتاج إليها لمكافحة الإرهاب ومن ضمن ذلك الطائرات المروحية وغيرها من الطائرات العسكرية لكي نتمكن من تأمين حدودنا وحماية شعبنا. قد يصعب تصديق هذه الحقيقة، ولكن العراق في واقع الحال لا يملك طائرة مقاتلة واحدة يحمي بها سماءه.
إن الولايات المتحدة هي شريكنا المفضّل في مجال الأمن، لذا بقينا نعمل مع حكومة الولايات المتحدة وشركات الدفاع الأميركية لتأمين احتياجاتنا، وهذا من وجهة نظرنا سيساعد على توطيد علاقة نريد لها أن تبقى حجر الزاوية في ستراتيجيتنا الأمنية. إن العراقيين يشعرون بالامتنان إزاء التضحيات الكبيرة التي قدمها الأميركيون بالنيابة عن شعبنا، بيد أن العراق اليوم لم يعد محميّة، إنه شريك في ما وصفه الرئيس أوباما بأنه “علاقة طبيعية قائمة على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل.”
هذه المصالح المشتركة تتضمن مقارعة الإرهاب وإيجاد حل للصراع في سوريا، لأن الحرب في هذا البلد غدت قطب جذب يجتذب المتطرفين الطائفيين والإرهابيين من شتى أركان الأرض ويحشّدهم في الجوار ثم لا يلبث أن يتسلّل العديد منهم عبر حدودنا الرخوة. نحن لا نريد لسوريا أو العراق أن يصبحا مواطئ لعمليات القاعدة ولا تريد ذلك الولايات المتحدة.
في الوقت الذي يرى العالم فيه أن سوريا مأساة إنسانية نرى نحن فيها أيضاً تهديداً مباشراً لأمن بلدنا. فقد باشرت “القاعدة” حملة متجدّدة منسّقة للتحريض على العنف الطائفي ودقّ إسفين بين أبناء شعبنا، إلا أننا لن نسمح بوقوع ذلك مرة أخرى.
نحن لا نريد لسوريا أن تبقى نقطة اجتذاب للمتطرّفين وعنفهم، كما لا نريد تركها إلى أن تستحيل حريقاً يأتي على المنطقة، لذا جعلنا على رأس أولوياتنا إنهاء حمّام الدم وتحقيق تسوية عبر الحوار. والحكومة العراقية جادّة حيال منع مواطنيها من امداد أي طرف من أطراف الصراع السوري بالسلاح.
كذلك نحن ملتزمون بمنع أية جهة خارجية تبغي تأجيج نيران الصراع في سوريا من استخدام أراضي بلدنا أو ممراته المائية، أو حتى مجاله الجوي. إلا أن قدرتنا على فرض هذه السياسة تبقى محدودة بوجود كل هذا العدد من الجيران الذين يفوقوننا تسليحاً إلى جانب افتقارنا إلى قوّة جويّة أو دفاعات جويّة يعتد بها. هذا هو أحد الأسباب العديدة التي تجعلنا نطلب، وبشكل عاجل، تطوير قدرات دفاعنا الجويّ.
لقد بدأت السياسات الأميركية والعراقية بالتقارب بعد شيء من الخلاف في بادئ الأمر، وقد سررنا باتفاقية القضاء على أسلحة سوريا الكيمياوية ولدينا رغبة شديدة في دعمها بأية وسيلة نقدر عليها، إذ ما من بلد سيكون أكثر عرضة للخطر من العراق إذا ما وقعت هذه الأسلحة الرهيبة في أيدي الإرهابيين.
في منطقتنا لا تقلقنا الأسلحة الكيمياوية فقط، بل جميع أسلحة الدمار الشامل. لذلك ندعم بكل قوّة تحويل منطقة الشرق الأوسط تدريجياً إلى منطقة خالية من الأسلحة النووية. وكتأكيد على التزامنا بهذا الهدف أصبح العراق مؤخراً الموقّع رقم 161 على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية.
وبينما نحن نخوض غمار المنازلة مع المتطرّفين العنفيين ترانا نعمل جاهدين أيضاً على بناء ديمقراطيتنا النابضة والارتقاء بها، فالعراقيون يميّزون الفرق بين الهجوم الإرهابي والاحتجاج السلمي ويحترمونه. وفي خضم مقاومتها الإرهابيين والمليشيات تلتفت حكومتنا مستجيبة للاحتجاجات السلمية بالانخراط في حوارات موسعة وتشكيل لجان تنسيق على أعلى المستويات وهي تبذل وسعها لإجابة مطالب المحتجين. لقد أجرينا أكثر من خمسة انتخابات حرّة منذ انتهاء عهد طغيان صدام في العام 2003 فوطّدنا بذلك ديمقراطيتنا وشكلنا حكومة ائتلاف ممثّلة لكافة الجماعات الدينية والمناطقية.
إلا أن الرد على الإرهاب في نهاية المطاف يتمثّل في إحراز التقدّم. فنحن نمتلك واحداً من أسرع الاقتصادات نموّاً في العالم، إذ استطاع التوسّع بنسبة 9,6 بالمئة في العام 2011 و 10,5 بالمئة في 2012. كذلك ازداد إنتاجنا من النفط بمقدار 50 بالمئة منذ العام 2005 ومن المتوقع أن نبرز كثاني أكبر مصدّر للطاقة في العالم بحلول العام 2030، ونحن نستثمر عائدات الطاقة في إعادة إعمار بنانا التحتية وإنعاش نظامي التعليم والصحة عندنا. وإذ يواصل العراقيون البناء هم قادرون على أن يكونوا شركاء مبشّرين للشركات الأميركية في جميع هذه الحقول والمجالات.
لقد بلغ العراق مرحلة النضج في مؤسساته الديمقراطية، ولكننا لا نزال بحاجة إلى التدريب والتثقيف والممارسة .. والصبر.
إننا سائرون على طريق الأمن والديمقراطية والرفاه، ورغم أن الشوط أمامنا لا يزال طويلاً فإننا نحب أن نسير على هذا الطريق وإلى جانبنا الولايات المتحدة.
ترجمة – أنيس الصفار
عن صحيفة نيويورك تايمز