هل تعلم أن المنظومة القانونية العراقية النافذة حاليا تشجع الفساد لا تكافحه؟ اطلعت مصادفة على مقالة فضائحية إلى درجة مذهلة كتبها القاضي العراقي سالم روضان الموسوي، والذي لم يُعرف عنه أنه من معارضي أو مناوئي أو مناهضي نظام الحكم القائم اليوم في العراق. وقد أورد القاضي في مقالته مجموعة من الحقائق المثيرة للانتباه سأقتبسها حرفيا في الآتي:
- في المنظومة القانونية العراقية نجد انها ما زالت قاصرة تجاه هذه الاشكالية، اذ انها تعالج مستجدات الحياة المعاصرة بآليات قديمة عفا عنها الزمن، ومنها ما جاء في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل وبعض القرارات التي لها قوة القانون.
- بعد عام 2003 صدر أمر سلطة الائتلاف رقم 93 لسنة 2004 بإصدار قانون مكافحة غسيل الأموال الذي ولد قاصرا عن احتواء الكم النوعي والعددي الهائل في جرائم غسيل الاموال فضلا عن تعطيل الياته وعدم تفعيلها لحد الآن ومؤشر ذلك عدم وجود أي شكوى جزائية حركها البنك المركزي او مكتب مكافحة غسيل الاموال بموجب الأمر أعلاه.
- من خلال المتابعة وجدت هناك طائفة من الأعمال الجرمية المعاقب عليها يمارسها رجال الاعمال للحصول على منافع ومكاسب مالية كبرى تهدم الاقتصاد وتنخر في جسد المجتمع إلا انها تعامل معاملة الجريمة التي يرتكبها المواطن العادي وتتمثل في تزوير خطابات الضمان والوثائق التي تدخل في الحصول على المناقصات والمزايدات في العقود التي تبرم مع الدولة وهذه فضلا عن كونها تؤثر في الحياة الاقتصادية فإنها تسهم في تعطيل المرفق العام والضرر فيه مفترض، فمن يرتكب مثل هذه الجرائم لا يعاقب إلا بمقدار ما يعاقب به من زور هوية او وثيقة دراسية للحصول على وظيفة موظف خدمات (عامل نظافة) أو عتال او غير ذلك.
- أحيانا للوجاهة التي يتمتع بها رجل الأعمال بحكم ملائته "؟" المالية لا تنفذ بحقه العقوبة، وإنما يتم توقيف تنفيذها، ويبقى ذلك المواطن العادي الذي قادته ظروفه الاقتصادية الى اقتراف جريمة التزوير في وثيقته الدراسية يرزح خلف أسوار السجون.
- عند إجراء احصائية لمقدار خطابات الضمان والشيكات والأعمال المماثلة وكفالات حسن الأداء وغيرها من الوثائق المقدمة إلى الدوائر الحكومية للحصول على المناقصات سنجدها تمثل مقدار المال الذي تعرض للهدر والسرقة والاختلاس من الميزانية العامة والذي يشكل رقما هائلا وكبيرا.
- في الواقع اليومي للعمل القضائي نجد ان بعض الذين استلموا القروض او صدرت لأمرهم خطابات ضمان أو كفالة حسن الاداء قدموا مستمسكات ثبوتية مزورة كأن تكون هوية أحوال مدنية أو بطاقة سكن مزورة مما يؤدي إلى استحالة الوصول إليهم لاستيفاء الدين.
- أدى ذلك الى إفلاس بعض المصارف التي وضعت تحت وصاية البنك المركزي عملا بأحكام المادة (60) من قانون ادارة المصارف رقم 94 لسنة 2004 . وهؤلاء على فرض القبض عليهم وعرضهم على القضاء فإن فعلهم لا يتعدى أن يكون جنحة معاقب عليها في حدها الأعلى بالحبس أو الغرامة عملا بأحكام المادة 292 عقوبات التي جاء فيها الآتي (يعاقب بالحبس وبالغرامة التي لا تزيد عن ثلثمائة دينار أو بأحدى هاتين العقوبتين من توصل بانتحال اسم كاذب او شخصية كاذبة الى الحصول على أية رخصة رسمية او تذكرة هوية أو تذكرة انتخاب عام أو تصريح نقل أو انتقال أو مرور داخل البلاد. ويعاقب بالعقوبة ذاتها من زور او اصطنع محررا من هذا القبيل.) .
- الملاحظ ان هؤلاء قد شملهم قانون العفو رقم 19 لسنة 2008 بالنسبة للذين وقع فعلهم في فترة نفاذه، ولا يقوى القضاء على مساءلتهم وإنما يشملهم القانون أعلاه لذلك نجد من الضروري ان نلتفت الى هذه الحالة وجعل جريمة التزوير في الوثائق المبرزة للحصول على العقود والمناقصات والمزايدات سواء بتقديم الوثائق المطلوبة او ما يحصل بعد التعاقد.
- الزبدة : القوانين العراقية النافذة سواء كانت قديمة أو جديدة جاء بها الاحتلال في عهد مدمر العراق بول بريمر، تشجع الفساد المالي والإداري ولا تكافحه وينبغي بالتالي إبطال هذه القوانين واستبدالها بأخرى أكثر حسما وحزما. الدليل على أنها تشجع الفساد ولا تكافحه كما ورد في كلام القاضي المشار إليه هو في أنَّ هذه القوانين قديمة وقاصرة، أو جديدة غير مفعَّلة، بدليل عدم وجود أية شكوى سجلها البنك المركزي العراقي رغم كثرة جرائم الفساد. و لا تعاقب هذه القوانين المجرمين الكبار والمدانين لأسباب تتعلق بوجاهتهم وموقعهم المالي والاجتماعي والسياسي ولكنها تعاقب المواطن العادي الذي قد يرتكب جرما صغيرا كتزوير وثيقة تخرج من الثانوية أو غيرها.ثم أن الوثائق المقدمة إلى الدوائر الحكومية ضمن مشاريع البناء والإعمار تمثل مقدار المال الذي تعرض للهدر والسرقة والاختلاس من الميزانية العامة.ضآلة العقوبات الموقعة بحق مجرمين تسببوا في إفلاس بنوك أهلية هذا إذا عوقبوا وألقي القبض عليهم. وحتى إذا عوقب هؤلاء الفاسدون المدانون قضائيا فأنهم مشمولون بقانون العفو رقم 19 لسنة 2008 إذا ارتكبوا جرائمهم بعد هذا التاريخ. لست متخصصا في أمور الاقتصاد والقضاء الجنائي ومكافحة الفساد ولكنني كمواطن بسيط أشعر بالغضب والقرف فالعراق بلد مستباح فعلا من قبل مجرمين معروفين وأن القوانين النافذة تحمي هؤلاء المجرمين أو أنها تدينهم ثم تعفو عنهم .
|