قرأنا عن حكم الفرد في التاريخ ، وعرفنا أن الهزيمة كانت النتيجة المنطقية للزعيم الألماني هتلر ، وموت الزعيم الفرنسي نابليون في المنفى تحت ذلّ الأعداء ، واندحار موسوليني في ايطاليا ، وانتحار توجو في اليابان . وفي أدبيات الحزب الشيوعي ( دكتاتورية البروليتاريا ) ، وهناك كتاب لينين ( الثورة والدولة ) يطالب بسلطة مركزية في الحكم . وتروتسكي هو مؤسس ( الأممية الرابعة ) رأى من خلالها أن الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية والأحزاب الشيوعية الحاكمة في المعسكر الاشتراكي خانت كلها الاشتراكية وخانت الطبقة العاملة ، وأصبحت أداة ذليلة للبرجوازية والنظام الرأسمالي . وكان مؤسس الحزب الشيوعي العراقي يوسف سلمان ( فهد ) مفكر ( الديمقراطية المركزية ) وقدّم حياته دفاعاّ عن فكره . وزعيم الصين الأشهر ماوتسي تونغ هو صاحب ثورة البروليتاريا الثقافية الكبرى التي دعا لها بشعار : ( دع كل الزهور تتفتح ) ، واستجاب لدعوته ألوف من الشباب الذين عُرفوا فيما بعد باسم الحرس الأحمر . ثم تفتحت الزهور جميعها ، وكانت لنا منها حدائق غنّاء ، وحدائق ذات بهجة ، وحدائق ملوّنة بورود حمر وصفر وبيض . وتفتحت قبل ذلك جماعة اوبوللو ، وجماعة الديوان ، وجماعة المهجر ، والرابطة القلمية ، وقصيدة النثر ، وشعراء الحداثة ، والبنيوية ، و ( الثابت والمتحول ) ، فثبت الثابت وتحول المتحول . وكتب لوركا شاعر اسبانيا العظيم أجمل قصائده في عصر الدكتاتورية .. وهكذا بابلو نيرودا ، وناظم حكمت . وقرأنا في رواية ( الأم ) لمكسيم غوركي ما هو تمجيد للدكتاتورية ، فهل نلغي غوركي من خارطة الأدب العالمي ؟!. وقرأنا عن الفيلسوف الوجودي جون بول سارتر كيف قاوم الاحتلال الألماني ، وكذلك فعل البير كامي ، وكتب الأديب الأميركي ارنست همنغواي أكثر من قصة ، وتطوع أندريه مالرو جندياً في سلاح الجو الفرنسي يدافع عن قضايا وطنه . من الغريب أن تمثال شاعر روسيا الأشهر الكسندر بوشيكن لا يزال شامخاً في قلب موسكو ، وسُمّيت أعظم شوارع موسكو وساحاتها احتفاءً باسمه الخالد ( بوشكين سكايا ) . كان بوشكين أعظم الشعراء الروس في القرن التاسع عشر ، وكانوا يلقبونه أمير الشعراء ، واتفقوا أن فترة إنتاجه كانت العصر الذهبي للشعر الروسي ، ومن المؤكد أن دراسة بوشكين تعني دراسة الأدب الروسي بجميع مراحله القيصرية ، من بطرس الأول حتى نيقولا الأول ( الدكتاتوريات بعصورها ) !. وقيل لنا أعطونا سنة من الحكم نعطكم رخاء وشعراً وحرية ، ولا رخاء ولا شعر ولا حرية . وعلى أيّة حال ، لا أظن أن حاكماً في الأرض ينام ليلته قبل أن يقرأ كتاب نيقولا ميكافللي ( الأمير ) ليعمل بمقتضاه في اليوم التالي . وبالمقابل فمن الوهم الاعتقاد أن يكون هؤلاء الحكام قرأوا يوماً ( جمهورية أفلاطون ) ، أو ( آراء أهل المدينة الفاضلة ) للفارابي ، وفي خواطرهم ولا حتى في أحلامهم الهائمة وخيالهم البعيد أن يطبقوا منهما جملة واحدة . ومن الظريف أن أفلاطون كان يحظر على الشعراء دخول جمهوريته !. أريد من ذلك كله القول : إن أعظم آداب التاريخ هي المكتوبة في العصور الديكتاتورية . لذلك لا يجوز أن نغضب على كل أديب عراقي وننال منه بكل طريقة ، ونشطب على نتاجه الإبداعي بدعوى أنه كان مكتوباً في زمن النظام السابق .. فذلك حكم أعور يرى بعينه اليمنى ، لكن عينه اليسرى في ظلماء .. ليت عينيه سواء !.
|