الأمانة تعني الطريق الى الجنة

 

لايوجد اثقل واعظم عملا من حفظ الامانة واعادتها لمالكها الشرعي بجميع اشكالها ومسمياته اوحجم ثمنها فهي ترتقي بك الى العلو والسمو وترفع مكانتك في الدنيا والاخرة ويشار اليك بالبنان, وتضعك في رأس المسؤولية الشرعية وتصبح من ذات الوجوه القليلة التي لايُرد لك طلبا وتؤتمن من قبل الناس في تذليل وحل القضايا الاجتماعية , فتكسب ثقة المجتمع وتنتظم استقرار الحالة الاسرية لما يصيبها من تصدأ وفجوة متأثر بالسلوك الاجتماعي والتقاليد البيئية ولايقتصر وجه الامانة في حفظ المال والممتلكات العامة وقد يكون حفظ السر الذي ينقذ الافراد والمجتمع من كارثة لايحمد عقباها في حالة التحدث به واشهاره , وللأمانة اهمية عظيمة ولم يستثنى ذكرها كل الديانات المقدسة وجاءت تفاصيلها في جميع الكتب المعتبرة , وأشار القران الكريم على ان الأمانة عرضت على السموات والارض والجبال فأبين ان يحملنها ولكن من تصدى اليها هو الانسان بحملها ولايعرف مقدار اجرها وتأثيرها في المجتمع , وجاء ايضا في القرأن الكريم ( أن الله يآمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل ) ومن اجل ذلك جاء في الحديث النبوي الشريف الشفعاء يوم القيامة خمسة ( القرأن الكريم , صلة الرحم , الامانة , النبي , اهل البيت ) وفضلها على حب النبي واهل البيت عليهم السلام اذا لاقيمة لطاعة النبي واهل البيت  بدون حفظ الامانة ,واشتهر رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه واله قبل البعثة بالصادق الامين وكيف ان المجتمع القريشي وضع امواله وثقته ليتاجر فيها الرسول  ورضي بحكمه في التنازع عن كساء الكعبة وتصديقه لكافة الامور, والتاريخ شاهد حي لما يدون في سجلاته من حوادث يكتبها الخالدون والمنتصرون لجانب الحق والذين وضعوا بصمات لاتتغير لانه سجل لاعمال الناس في الماضي ومنه نستلخص العبر لمواجهة التحديات واشكال المتغيرات على مجمل مراحل العمر ,ويذُكُرنا هذا السجل عن معركة ذي قار قبل الاسلام وكيف انتصر العرب على الفرس في حفظ الامانة ( حينما لجأ النعمان بن منذر ملك الحيرة الى هاني بن مسعود الشيباني واستودعه اهله وماله وسلاحه ,قبل التوجه الى ملك الفرس ليواجه مصيره بالموت , وعندما طلُب من هاني بن مسعود الشيباني بتسليم وديعة النعمان بن منذر رفض ان يسلمها وليس من عادات العرب خيانة الامانة حتى لو افنوا جميعاً تحت صليل السيوف , فغضب الملك كسرى وارسل الجيش للقتال وكانت النتيجة الانتصار رغم التفوق في العدد والعدد والتنظيم , فلما بلغ ذلك رسولنا الكريم قال كلمته المشهورة (هذا يوم أنتصفت فيه العرب من العجم وبي نصروا) ودونت هذه المعركة بأحرف من نور في سجل التاريخ لتبقى خالدة يتذكرها الاجيال وليعرفوا ان الموت اهون من خيانة الامانة , ويستذكرني هنا قول الامام السجاد عليه السلام عن الامانة وهو يقول (عليكم بأداء الامانة فلو أن قاتل ابي الحسين بن علي عليه السلام إئتمنني على السيف الذي قتله به لأديته اليه ) ,هكذا عرف مفهوم الامانة مع ان الذين يحفظون الامانة اليوم ربما لاتجد منهم الا القليل جدا ولكن نعول على ان المجتمع لم يخلوا من اصحاب المروءة والشهامة وكما قيل لو خليت قلبت , أن اداء هذه المهمة الصعبه يحتاج الى غرز الثوابت والقيم الاسلامية الاصيلة منذ الايام الاولى لعمر الطفل  لتختلط بدمه ولحمه من اجل أن ينشد الخير ويحتضنه ويبتعد عن العمل القبيح والمنكر في قاموس حياته , وقد جاء في كتاب ألاخلاق للدكتور علي شريعتي قصة فيها من المعاني والدلالات ما يثبت بان معدن الانسان واصالته التي ترعرع عليها كأسس في منهاج حياته لطرق صحيحة قد لاتتلوث بالمتغيرات والظروف القاهرة ولا تخضع للمساومة والتأثير المادي ويظهر جلياَ ان الاستحواذ واعمال السطوة قد يتذكر فاعلها المبادىء التي غابت عنه في لحظة من لحظات الضعف والهوان ويرجع لرشده لان ماكان اساسه متين وصلب يخشى ان يتصدع بتلك الامور واليك اخي القارى القصة مثلما جاءت بالكتاب(خرج رجل من بيته في عتمة منتصف الليل قاصداَ الحمام العام, فالتقى في الطريق بأحد أصدقائه , فسأله أن يرافقه الى الحمام , فقال له الصديق : نعم ان لي حاجة سأرافقك حتى الحمام , فسارا سوياَ , وعندما بلغا مفترق الطريق تركه صديقه دون أن يودٌعه وأخذ  طريقا آخر , فسار خلفه لص , وعندما وصلا الحمام وكان الجو معتماً , فظن الرجل أن رفيقه هذا هو ذلك الصديق الذي برفقته , فأخرج كيساً فيه مائة ليرة ذهبية وأعطاه إياها  قائلا: خذ يا أخي هذه الامانة حتى أخرج من الحمام , تعجب اللص وبقي اللص واقفا هناك حتى خرج الرجل من الحمام وقد طلع وجه الصباح , فقال للرجل : خذ أيها الرجل ذهبك فقد فقدت عملي الليلة بسبب أمانتك , فقال الرجل : أي أمانة ؟ ومن أنت؟ قال اللص : هذه أمانتك التي اودعتني إياها , وانا  لص , فسأله الرجل : إن كنت لصاً فلماذا لم تذهب بكيس الذهب ؟ قال اللص : أنت أودعت هذا الذهب عندي , فلم أر من المروءة أن تعتبرني أمينا ثم أخونك ).  نعم ان الذي اودعك أمانة فهو اطمأن لك ووضع كل ثقته بك فكن جدير واهلا لذلك.