شيزوفرينيا العقل السياسي- نظرية عراقية!

 

أفترض أن المشاركين في الحوارات التي تبثها القنوات الفضائية العربية يمثلون النخبة في العقل العربي ، وإلا – وهذا افتراض آخر – لما انتقتهم هذه القنوات ليثقفوا الناس بقضايا سياسية واجتماعية تخص حياتهم ، وفكرية تنوّر عقولهم .
  ومنذ سنوات وأنا – كالآخرين – أتابع هذه الحوارات في أكثر القنوات انشغالا بها ، لاسيما : الجزيرة والعربية والحرّة ، تناقش فيها قضايا خلافية..والخلاف يعني نزاع بين طرفين متضادين يهدف الى إبطال باطل أو إحقاق حق .
 ولقد لفت انتباهي مسألة تحتاج الى تفسير، هي أنني لم أجد بين المئات من المتحاورين حالة واحدة يقول فيها المتحاور لنظيره : انك على صواب ، أو : أشكرك انك صححت عندي فكرة كنت أظنها العكس . لا أحد يجرؤ على الاعتراف بأن رأي المقابل صحيح ورأيه خاطئ . ولا أحد يشكر الآخر أنه أفاده بفكرة جميلة ، أو نبهه الى ما كان غافلا عنه..بل تنتهي الحوارات الخلافية كما بدأت : لا يبطل فيها باطل ولا يحق فيها حق..وكثيرا ما تنتهي بالتسفيه والسبّ والشتم ، ولو كانت هنالك مساحة في الاستديو لتحولت الى حلبة ملاكمة.
  والمسألة الغريبة الثانية،أن المشاهدين لهذه الحوارات ( من غير الذين "يتونسون " عليها !) ينقسمون على فريقين : فريق مع هذا وفريق مع ذاك، مع أن لا هذا ولا ذاك قد أبطل باطلا أو أحق حقا..وينامون على وسائدهم بين ارتياح للهازم ، وتأفف على المهزوم، وتمنيّا لو كان مكانه للطم خصمه على وجهه! .
  ولقد فكرت في الأمر مليّا ، فوجدت أن ما يجري هو من " علامات " الشيزوفرينيا !. ذلك أن المصاب بها اذا اعتقد بفكرة فأنه لن يتخلى عنها حتى لو أعطيته مال قارون ، لأنه يرى نفسه أنه هو العاقل وأنت المجنون . وكذا المتحاورون..فكل واحد منهم يدخل الاستديو وهو معبّأ نفسيا لأمرين : التخندق في موضع فكرته والدفاع عنها حتى لو كانت خاطئة، والهجوم على الفكرة الخلافية للآخر وتفنيدها حتى لو كانت صحيحة.
وعلميا..ينقسم دماغ الانسان الى قسمين :القشرة الدماغية في القسم الأعلى..وهذه تكون مسؤولة عن الادراك والتفكير واتخاذ القرار والتحليل المنطقي،والجهازان السمبثاوي والباراسمبثاوى في الأسفل المسؤولان عن الانفعالات.
 ولأن كلا هذين القسمين يقعان في الدماغ،وكلّ واحد منهما يؤدي وظيفة عكس الأخرى ،فانه اذا اشتغل احدهما اكثر..أدى ذلك الى نتيجتين: اضعاف نشاط  الآخر او تعطيله،وانعكاس ذلك على سلوك صاحبه..بمعنى،اذا نشطت قشرتك الدماغية وكانت هي الشغّالة عندك معظم اوقاتك..ضعفت لديك انفعالات الغضب والخوف...وكنت حكيما ومنطقيا وعقلانيا..والعكس صحيح.
لنطبّق (نظريتنا الجديدة) على الانسان العربي..والعراقي تحديدا ،تجد ان جهازه الانفعالي يشتغل اضعاف ما تشتغله قشرته الدماغية المسؤولة عن التفكير والمنطق..بمعنى ان جهازه العصبي منشغل معظم ساعات يومه بالخوف والقلق والغضب والبارانويا والضجر والسأم واليأس.واذا حسبتها بالسنين تجد ان جهازه الانفعالي شغّال معظم سنوات عمره فيما دماغه الخاص بالتفكير العقلاني ضعيف او شبه معطل.
  ان هذه الحقيقة التي عاشها العراقي منذ اكثر من ثلاثين سنة وما يزال، تفضي بالتبعية الى الشيزوفرينيا..التي لا تعني الجنون بالضرورة. فكما أن (الجنون فنون) كذلك الشيزفرينيا انواع تتباين مظاهرها بين :اوهام اضطهاد، اوهام عظمة، افتقار مبدأ الوحدة في ترابط الافكار والمعاني، فقدان التناسق او التساوق في المعلومات،اضطراب محتوى التفكير، الشك بالآخرين، افتعال الأزمات ،العناد العصابي..الى غلاظة القلب وتجمد المشاعر ازاء فواجع آخرين هو مسؤول عنها..والظهور للناس بوجه لا حياء فيه.
 ومع ان هذه المظاهر الشيزوفرينية تنطبق على العديد من الحكّام العرب،فأن افضل عينة ممثلة لها تجدها بين سياسيين عراقيين..في الدولة والبرلمان والحكومات المحلية!..الذين صارت امور البلاد والعباد بأيديهم فيما كان يجب ان تكون امورهم بيد المعنيين بالصحة العقلية.. قبل ان ينتهي الأمر بالعراق الى أن يكون أكبر مشفى نفسي للعقلاء المجانين !.