من الأمور التي أصبحت ماثلة في كتابة الرواية العراقية، بعد الاحتلال 2003 هي قدرة الكاتب على الخوض في الأحداث المتسارعة، واستثمار ما يملكه من أدوات قادرة على تحويل اليومي إلى بنية نصية، تواجه التاريخ الذي يعمل على نفي اللغة/ الكتابة، فأصبح من الطبيعي أن يقع الأديب تحت تأثيرات الحرب وتفاصيلها، إذا ما عرفنا أن الكتابة معركة ضد النسيان كما تُوصف. رواية على شفا جسد، للكاتبة رشا فاضل من بين الروايات التي تتناول الاحتلال الأمريكي للعراق، والرواية متوجة بإحدى جوائز مجلة دبي الثقافيّة، وتمّ الإحتفاء بها مؤخرًا في بيروت ضمن فعاليات المركز الثقافي العراقي.
بطلة الرواية (زهرة) التي تفقد أبويها في حادث سيارة منذ طفولتها، فتتكفل بتربيتها خالتها التي امتنعت عن الاقتران بأيّ رجل من أجلها. تقوم زهرة بتوزيع الرسائل رفقة السائق في سيارة تحمل علم الصليب الأحمر التي تجوب بعض المدن وتسميها باسمائها، فنتعرف معها إلى: ( العوجة) أو (بيجي) وقرى أخرى. شخصية زهرة في الرواية، أنموذج المرأة العراقية في مجابهتها كثير من التفاصيل، فهي تنتقل من امرأة وحيدة، حالمة، عالمها اليومي محدود، حيث لا صديقة لها إلا رفيقة دراستها (سروة) والمتزوجة من (حازم). لكن، (زهرة) التي لم ترتبط برجل إلا بعاطفة بعيدة تظل ذكراها حيّة، تسترجعها في وحدتها. تتذكر رجلًا لكنها لم تفصح كيف مرّ بحياتها، وكيف عرفته؟ تنتظر أن يرنّ هاتفها الجوال فيأتيها صوته، ولكن هذا لم يحصل، حتى جاء (ناصر) الذي ظهر بسيارته الفارهة في يوم ممطر من تلك القرية النائية التي جعلتها تتساءل:
لماذا يبني الناس قصورًا بهذه الفخامة والضخامة؟ ألا تكفيهم بيوت ريفية جميلة؟ لعلّها تقدم لنا صورة عن مدينتها، وما حَوت من بيوت فخمة، لكن إيقاع الحياة يظلّ ريفيًا، ويظلّ الناس في قريتها أوفياء لتقاليدهم في الأحزان والأعراس وعلاقاتهم الإجتماعية. الرواية، كما روايات أخرى، تناولت ثيمة الحرب، تمثّل شهادة ابداعية عن خراب العراق على أكثر من مستوى. وُفقت رشا فاضل في توظيف المكان والزمان والشخوص، واللغة الشعرية التي تبدو واضحة للقارئ، بما يخدم تطور الأحداث وتشابكها في الرواية، وفي استثمار الحدث اليومي/ الهامشي، وترحيله إلى متن كتابي. أما العنوان الرئيس: على شفا جسد، فكان مفارقة أولى، وعتبة نصية صادمة لأفق القارئ، كما اعتاد في الروايات النسوية الأخرى. إذا لا جسد أنثوي مباح في النهاية!