عبادات.. وعقائد

 

 

 

 

 

 

مقطع على اليوتيوب لمجموعة من البشر وهم يؤدون رقصة غريبة أثار اهتمامي لأسابيع. اكتشفت، شيئاً فشيئاً، انها ليست رقصة، بل طقساً دينياً. ثم بدأت رحلة جديدة في محاولة لاكتشاف الدين الذي يتبعه هؤلاء. كانت الرقصة مثيرة لجهة انتظام حركاتها الجسدية التي لا تمثل سوى أربع حركات، ثم الرقصة الدائرية التي تتكرر بانتظام رتيب، وعلى إيقاع معين وصوت يشبه الصفير.

ومن خلال البحث توصّلت إلى أن المعنيين هم أبناء إحدى الطرق الصوفية في الشيشان. أما الكلام غير المفهوم الذي حاولت فك شفرته فلم يكن سوى جملة الشهادة عند المسلمين. إنهم، إذن، صوفيون يمارسون طقساً يعتقدونه دينياً. اللافت أن بعض التيارات الإسلامية تقوم بتكفير مثل هذه المجاميع. قرأت خلال هذه الفترة الكثير من الآراء في هذا الخصوص. بعضها تؤكد على موضوعة البدعة، والضلالة، وبالتالي التكفير.

ومن المعروف أن العراق هو البلاد الأبرز التي انطلقت منها طرق الصوفية الشهيرة: القادرية، الرفاعية، النقشبندية. أما لماذا، فهو ما لا حيلة لي بتحليله. المهووسون بحب الذات يقولون: لأن العراق أرض الأنبياء، الرسل، الأئمة... ألخ.. ويضيف آخرون بالقول: بسبب الغنى التاريخي، والجغرافي. ولكن اسمحوا لي بمغادرة هذه المناقشة، فهي لا تجدي نفعاً، على أي حال، ودعونا نعود لأصل الموضوع، وأعني عقائد الناس.

لقد وجدت في هذا المقطع، ومقاطع فيديو مشابهة الكثير من الأسرار الروحية، كما وجدت الكثير من التخاريف. يظهر مقطع، موجود على اليوتيوب، شيخاً في السودان يقوم بحركات فجّة وبليدة أمام مريديه. فيديو آخر، وأظنّه في آسيا الوسطى، يظهر شيخاً آخر يقوم بحركات بهلوانية سخيفة للغاية، ومن حوله حشد المريدين يتقافز مثل الفئران. في كل الأحوال يبقى السؤال قائماً: ما حاجة الناس لمثل هذه العقائد؟

في ظنّي أن للجوع أنواعا، ومنه جوع روحي. وهذه العقائد تسدّ هذا الجوع. ثم هنالك الفقر، والفقر جلاب للخرافة. أين تنتشر الخرافة؟ أفضل المجالات هو المجال الفقير. وأغلب المقاطع التي شاهدتها بدت على وجوه المريدين فيها صور فقر مدقع. لا تقل لي إن السبب في أن الصوفية تريد من المريد أن يكون زاهداً. المناطق التي يدشن فيها هؤلاء طقوسهم بدت عليها آثار الفقر. لا.. لم يكن زهداً، إنه الفقر على الأرجح.

قصة العقائد مخيفة. العبادات أمر متفق عليه، إنها منهج عمل المتدين. ولكن العقائد موضوعها آخر. كثيراً ما فكرت، على سبيل المثال، بهؤلاء الذين يفجّرون أنفسهم وسط الحشود، فاسأل نفسي: لم؟ صحافيون مرموقون أجروا حوارات مع انتحاريين، أو مشاريع انتحاريين، وكان السؤال نفسه يدور على ألسنة هؤلاء الصحافيين، فيما تقرأ في الأجوبة شيئاً كثيراً عن مسألة العقائد. ذلك الإيمان الغامض، الذي يتحول إلى أكبر من قناعة، وأكثر من إيمان. يرى صاحبه أنه الحق الوحيد، أو أن عقيدته هي الحق الوحيد. يرى هذا، البائس، أن قدره مصنوع صنعاً لكي يكون بطلاً، فيما هو مجرد مخدوع لا ينفع معه أي مناقشة.

الشيخ، ذو اللحية البيضاء الطويلة، الذي شاهدته يرقص مثل شاب عشريني أمام حشد من المريدين، له عقيدة. والرجل الذي يمشي على الجمر له عقيدة، وذاك الذي يفجّر نفسه له عقيدة. وشتان بين عقيدة تضر بصاحبها، وبمن حولها، وأخرى لا تفعل.

ثمة عقائد مغمّسة بالإنسانية، وأخرى دونية تريد منا العودة للعصر الحيواني!