سُرّ ما خَطرْ!!(1,2)*.. د.صادق السامرائي

 

 

 

 

 

 

 

-1-

 

النهر يسقيه المدّ ملحا , وتختلط الأمواج على وجهه برياح الإصرار , إنه يجري نحو بحر المانش , لكنه يغص بمياه البحر إلى نصفه.

 

كيف يحمل النهر أعباء بحرٍ كبير؟!

 

وتجمعني الأحلام على ضفاف نهر السين , بمدنه وطاقاته وقدراته الإبداعية الخرافية , وانطباعيته وتعبيريته , وآفاق أعماقه المنعكسة في مرآة الوجدان, حيث تتسلل الأفكار كقطرات المطر في خلجان الخيال.

 

آهٍ يا وطني

على ضفاف النهرين

أمةٌ بلا عينين!!

 

بشرٌ أحرق وجوده

وتأريخه

بنزوة جنون كرسوية

فهوت الأخلاق والقيم

وضاعت المسؤولية!!

 

للنوارس ألحان وأنغام معزوفات موجية

المنظر يكتب سمفونية الخلود

على سطور الأعماق الإبداعية!!

 

قالت الموجة: أين وطنك ونهريك؟

فحدقت روحي بعيونها

فأدركت ان الوجود تراب وماء

ونبهني ضوء الشمس المنبعث من أحداق الأمواج!!

 

كانت الأمواج تحملني برأفة

وتداعب أوتار روحي

فأصيخ السمع لموسيقى ذاتٍ مذبوحة

وأناشيد أعماقٍ محروقة!!

 

قالت الأطيار غنيّ

فشدا الجرح أنينا

يا بلادي!!

-2-

نهر السين , يذكرني بدجلة الحزين , والفرات الغارق بالأنين!

نهر السين , يبكيني , لأنه يُشعرني بقسوتنا على الأنهار, 

وعدوانيتنا على الطبيعة والحضارة والتأريخ!

ويشعرني بأن النهر مرآة الأجيال!

فإن صحّت الأجيال وفاضت بالمحبة والجمال 

والإبداع والعطاء, 

فإن النهر يتناغم مع إرادة الحياة القائمة فوق أرضه!

 

كانت النجمة مبتسمة

لكنها تجهمت عندما أبصرتني

فسألتها: لماذا أنتِ عابسةٌ بوجهي؟

قالت: أنت من بلادٍ تمتهن النهرين

وتقتل النخيل والأطيار والألوان

أنت من بلدٍ فيها لون واحد

جشع يمتص جميع الألوان

فلا أريد لوجهك أن يمتص إشراقتي

من أين جئت؟

أنت زائرٌ غريب!

قلت: أيتها النجمة , أنا عاشق ولهان

أحب الأنوار والأنهار والأشجار

فشاركيني في لحن المتعة

وأنغام الشعور بالوجود وصدق الحياة

صمتت النجمة  

وغبت في صمتٍ عميق!!

 

رأيت خيال موجة تختزن طاقات عصور

وقرأت أفكارها المبثوثة كالندى على بدن الرياح

واستنشقت عبقها

وتنعمت بعطرها

وذبت في دنياها

فقالت: ماذا تريد؟

قلت: إن العراق يريد!

قالت:تعلم كيف تتكلم مع أمواج نهريك!

وكيف تقرأ ما تكتبه على ضفافهما

فأنتم تعيشون أمية مائية

وتجهلون مسيرة النهرين

فهل تتعلمون؟!!

 

د-صادق السامرائي

*هذه كلمات مكتوبة فوق مياه نهر السين الفرنسي الدفاق بالجمال , وهي سلسلة خواطر ستُنشر تباعا.