أسباب فشل الأمن في العراق

 

الأمن يقوم على ألقدرة أكثر من القوة والتسلح

 

ـ جاسم محمد

 

تشهدت محافظات العراق ومناطق في العاصمة بغداد سلسلة هجمات إرهابي، قريبة من مشهد  عامي 2006 و 2007، عندما دخل  العراق في أعمال عنف مشابهة لحرب أهلية، لتصل احصائيات الضحايا لعام 2013 الى اعلى من السنوات السابقة. بعض الدراسات قدرت اعداد القتلى العراقيين منذ الغزو 2003 ولحد الأن الى ألف 170 شخص، لكن رغم ذلك لا توجد إحصائية واحدة متفق عليها.

 

 و يبدو أن العراق  مقبل على سلسلة  تصاعد  اعمال العنف حتى الانتخابات القادمة 2014 وسط الخلافات السياسية إن لم تتخذ  تدابير سياسية  وامنية  عاجلة. إن " ثورات الربيع " العربي التي شهدتها المنطقة منذ عام 2011 ولحد الان جعلت من العراق  بعيدا عن الاهتمام الدولي والاهتمام العالمي رغم مايعانيه من قتل يومي. 

 

الأرهاب ناتج محلي

 

اصبح الأرهاب ومنذ سنوات ناتج محلي وهذا ما يخالف تصريحات بعض المراقبين والمسؤوليين الحكوميين. وهنالك فرق مابين تورط اطراف خارجية بتمويل الارهاب في العراق وما بين استيراد الارهاب في العراق . لقد زرعت القاعدة، تنظيم التوحيد والجهاد بذورها في العراق مابعد عام 2003 بزعامة الزرقاوي الذي قتل في عام 2006 لتظهر "الدولة الاسلامية في العراق والشام " لتكون اكثر تطرفا واوسع تنظيما ليصل الى حد منافسة التنظيم المركزي والخروج عن زعامة الظواهري .

 

التنظيمات الجهادية بدات تستنسخ  ألتجربة القاعدية في العراق اي عرقنة نشاطاتها حتى في معاقلها في افغانستان واليمن وسوريا وسيناء وغيرها من السوح القاعدية. ألتجربة العراقية بدات تستنسخ  قاعديا، فقام  تنظيم " الدولة الاسلامية في العراق والشام ـ داعش ـ"بتصدير فروعه الى الشام وسيناء تحت راية عراقية بزعامة ابو بكر البغدادي وليس الظواهري. وكشفت مديرية الاستخبارات العسكرية في سبتمبر 2013  عن رسالة موجهة من أمير تنظيم القاعدة في مصر، العاصي بن أبي بكر، إلى أمير تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام" ، أبو بكر البغدادي، يناشده فيها المساعدة على مواجهة القوات الأمنية المصرية، وفي حربهم مع الأقباط . 

 

 استغل تنظيم ـ داعش ـ "الدولة الاسلامية في العراق والشام "  والتنظيمات "الجهادية" ضعف الامن  لتشن سلسلة من العمليات ضد أهدافا، البعض منها كانت أهداف نوعية  مثل مؤسسات الدولة  والسجون لكنها  الان تحولت ضد اهداف شيعية رخوة مثل الزوار الشيعة  وألمحلات العامة واماكن العزاء، لتصل الى المناطق المغلقة  في بغداد مثل مدينة الصدر والشعلة وألكاظمية بهدف الحاق أكبر الخسائر. تقابلها  تهديد ميليشيات شيعية الى المكون السني وتهجير للعوائل . لتنصب تلك المجموعات نفسها بديلا عن مكونات المجتمع العراقي وسط غياب دور مؤسسات الامن والدفاع .ألهجمات تحولت من"غزوات " وعمليات نوعية ألى سلسلة عمليات ارهابية  ضد مناطق شيعية واماكن عامىة مع تكثيف بعدد العمليات . 

 

اسباب تدهور الامن 

 

البنية

 

يعاني العراق من خلل في بنية الدولة والحكومة لتمتد الى اجهزة الامن والدفاع  بدون شك . ألدستور العراقي تم كتابته  على عجل في وفقا للمحاصصة السياسيية  للكتل والاحزاب التي تهيمن على المشهد الساسي في العراق ليكون الدستور مصدر خلاف بدلا من ان يكون مرجعا لحل المشاكل مابين الشركاء الفرقاء . اليوم تجد الحكومة نفسها مقيدة وفقا للدستور باتخاذ القرارات، والتي لايمكن اتخاذها الا بحصول ثلثي البرلمان واحيانا اخرى مرتبطة بموافقة  رئيس الجمهورية مما يخلق حالة شلل حكومي. قد يكون ذلك ممكنا ان كانت حكومة أغلبية لكن داخل حكومة ائئتلاف وتوافق تمثل تحدي كبير وينتج عنها عجز حكومي وظيفي. أن حكومات الائئتلاف معروفة بمشاكل إتخاذ ألقرارات واحيانا لاتستطيع المطاولة الى نهاية  الفترة المقررة حتى في اعرق الدول الديمقراطية ، فكيف ستكون في حالة العراق . اي ان ألدولة العراقية تعاني من خلل بنيوي يمتد الى الامن والدفاع.

ومايزيد المشكلة تعقيداهومطاولة الاطراف المشتركة بالعملية السياسية والاستمرارللتمتع بالامتيازات على حساب  تحقيق اي تطور للمواطن العراقي في محتلف المجالات .

 

لذا ما تقوم به الحكومة من جهود بنقل قادة او وضع خطط قد لايجدي نفعا ، وسوف لا تحل المشكلة الحقيقية وهي البناء الخاطيء .  فالمشكلة في العراق اوسع من الاجهزة الامنية والدفاع ، لذا لايمكن حلها الا بعد مراجعة الدستور العراقي. أن تبديل الحكومة  للخطط الامنية بين حين واخر لم تجدي نفعا  ليكون الفشل الامني كرة ثلج . ان نظرية وضع الخطط  تتضمن بان يتم وضعها من قبل الإستراتيجيات ومنها رسم  إستراتيجية الأمن والدفاع، وهذه الخطط يتم تحويلها الى الاجهزة ، القيادات الامنية ، بشرط أن تخضع للرقابة والمتابعة المركزية وهذا غير متوفر في الحالة العراقية الذي يعيش فوضى عارمة لم تشهدها دول المنطقة. العراق ليست دولة هامشية في المنطقة، هي دولة عميقة في تاريخها السياسي الحديث والقديم ، لايمكن ان تستمر فيها حالة الفشل  والانهيار .

لذا ما يحصل في  دول "الربيع العربي "  من فوضى كانت  بدايته  في العراق لكن هنالك اختلاف في أدوات التغيير  .

 

احصائيات للجيش والأمن

يتكون الجيش العراقي حاليا من 15 فرقة عسكرية معظمها فرق مشاة يقدر عدد أفرادها بنحو 350 ألف عسكري، ويمتلك نحو 140 دبابة أبرامز أميركية حديثة الصنع ونحو ستة آلاف عربة عسكرية من نوع همر و المئات من عجلات القيادة من نوع باجر الأمريكية، والمئات من ناقلات الجند والمدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ، فضلاً عن العشرات من الطائرات المروحية الروسية والأميركية الصنع، واكثر من 170 دبابة روسية ومجرية قدمت كمساعدات من حلف الناتو في عامي 2005 و 2006. وتشير الاحصائيات بان حجم اعداد افراد الامن والدفاع تجاوزت المليو ن ونصف .لكن رغم ذلك لم يستطيع  ايقاف عمليات "الدولة الاسلامية " في العراق وحماية المواطن من الارهاب. وهذا يعني إن الجيش العراقي لايحتاج مزيد من التسلح والأعداد بقدر مايجتاج الى التدريب والخبرة والكفاءة.

الفساد

 

الموازنة  لعام 2013 

 

مازالت الاموال المخصصة للامن والقوات السلحة في الموازنة العراقية السنوية تحتل احدى اولوياتها حيث شكلت للعام 2013 نسبة 14.37% بحوالي 16 مليار دولار من مجموع قيمتها البالغة 118 مليار دولار لكن تخصيصات الطاقة التي تستهدف حل مشكلة الكهرباء المستعصية منذ 9 سنوات وزيادة الانتاج النفطي واعادة بنى المنشأت النفطية فاقتها هذا العام واخذت 21.31 بالمائة بحوالي 26 مليار دولار فيما احتلت الخدمات الاجتماعية المرتبة الثالثة بحوالي 14 مليار دولار فيما تم تخصيص 47 مليار دولار للمشاريع الاستثمارية.  وقد وصفها المراقبون بان  ميزانية الامن والدفاع  تعادل ميزانية  بعض دول الجوار .

 

تعاني مؤسسات الامن والدفاع في العراق من مشكلة الفساد كما هوالحال في الحكومة والدولة العراقية ويصعد هذا الفساد الى قمة الهرم . المناصب في الامن والدفاع  يتم التعامل  معها بلغة البورصة التجارية وسوق العملات ، هذه المناصب تبدأ  بالقيادات العليا في الدفاع والداخلية ومكتب وقاعدة هرم الفساد تتسع لتضم اعضاء في البرلمان وقيادات في الكتل والاحزاب . ذكر بعض كبار السياسيين العراقيين في شهادته، بان  تجارة المناصب وصلت الى شراء منصب وزير في الدولة العراقية خاصة في المراحل الاولى من تشكيل الحكومة الحالية 2010 . الدفاع والداخلية ينظر لهما مصدر للحصول على الرشاوي والعمولات بسبب ما تتمتع بهما موازنة الامن والدفاع، في ذات الوقت أن من يسيطر على الامن والدفاع يعتقد بانه سيكون بمأمن من اية محاولة للعزل او التصفية بسبب عدم الثقة .

 

 في هذه الحالة فان من يحصل على المنصب سوف لايكون امينا ولا وفيا   للوطن بقدر ما يسعى الى حصول الكسب المادي وتحقيق الثراء. فقد شهد العراق العديد من الوزراء واعضاء في البرلمان  وقيادات  من الخط الاول متورطة في الفساد. وهذه الشريحة عادة تعمل على بناء الثروة  وتصديرها  للخارج بعيدا عن الرقابة والمتابعة . لتتحول الامن والدفاع الى مجموعات مرتزقة بعيدا عن المهنية والدافع الوطني. وذكرت شهادات من داخل الامن والدفاع الى ان أغلب من يقوموا بواجبات  نقاط السيطرة والتفتيش يتم استهلاكهم بدنيا  للعمل ساعات مضاعفة لسد نقص رفاقهم المحسوبيين على الخدمة دون الالتحاق بالواجب مقابل ان يستلم الضابط المسؤول رواتبهم  .

 

وما يشجع ذلك هو تهاون الحكومة العراقية  في متابعة المتورطين بالفساد وعدم كشف التحقيقات . تصدر تصريحات من السياسيين العراقيين والحكومة ورئيسها حول حصولهم على معلومات وملفات حول تورط عدد من كبار المسؤوليين  في الحكومة  والبرلمان ، لكن لحد الان لم نشهد عرض اي ملف من هذه الملفات، وربما يتم استخدام هذه الملفات في المساومة بالابتزاز السياسي . ويشترك البرلمان  ـ اللجنة الامنية  بهذا الانهيار والفشل الامني .

 

 

 

ألتسييس 

 

إن حجم اعداد الجيش والشرطة ، اصبحت تمثل ارقاما احصائية فقط  بسبب المحاصصة والدمج . الاحزاب والكتل   اتبعت المحاصصة حتى في تعيينات الامن والدفاع ، وفقا الى مبدأ الدمج لتتحول الامن والدفاع الى خزان بشري تبحث عن الكسب  وميليشيات ماعدا نخبة  قليلة من الكفاءات  ألتي مازالت تعتز بشرف المهنة ، فالولاء  تحول للاحزاب وليس للمؤسسة او الوطن. وتنقص هذه المجاميع الكفاءة المهنية مما يجعلها عاجزة عن قيادة وادارة الملف الامني على مستوى التخطيط وعن المواجهة بالنسبة للقيادات الميدانية. وبات معروفا بانه لايوجد هنالك انضباطا  بين رجال الامن والدفاع، وهذا يبدا بتعاملهم داخل المؤسسة وفي تنفيذ المهام وعدم الالتزام. ويعاني غالبيتهم من نقص  الخبرات والتدريب والجهل بسياقات العمل. إن تعدد أجهزة الامن والدفاع ياتي بالتقاطعات والتداخل مما يفوت الكثير من فرص المتابعة. فالقوات الأميركية كانت تغذي العراق بالمعلومات الاستخبارية حتى انسحابها في ديسمبر 2011 ليشهد الامن تدهورا تدريجيا ليصل الان الى حالة الفشل والانهيار .

إن ضعف الجهد الاستخباري على مستوى رسم الإستراتيجيات ووضع الخطط و الميداني، يتطلب إدخال عناصره بدورات مكثفة وتزويد الأجهزة الأمنية بأحدث المنظومات الاستخبارية الفنية ابرزها مراقبة الكاميرات في الشوارع والمؤسسات  واستخدام المناطيد التي يمكنها تعقب مساحة عشرين كلم مربع مرتبطة في غرف عمليات  للكشف المبكروالتعقيب، للاسف لم تكشف اجهزة الامن النتائج التي تحصل عليها بواسطة المراقبة الفنية. أن أحد أسباب التدهور الأمني هوعدم وجود قاعدة بيانات ومعلومات حول الاشخاص والعجلات والهواتف  والمصارف، فتنظيم "الدولة الاسلامية" يستخدم السيارات ألمسروقة في عملياته وينبغي للجهات المعنية وضع حد لعائدية العجلات والبطاقة الشخصية من اجل تعقب المطلوبين.

إن خلاص العراقيين من حالة الفوضى والارهاب لايكون الا من خلال فرض الاحكام العرفية على ان لايتم استغلالها لأغراض انتخابية او حزبية.  أو حكومة طواريء  يتفق على تفاصيلها داخل البرلمان ومن قبل والاطراف المشتركة بالعملية السياسية ، حكومة أغلبية في انتخابات عامة او مبكرة، بعيدا عن حكومة المحاصصة  والتوافقات والتي اثبتت عجزها وفشلها بعد أكثر من عشر سنوات .