انتهى ذلك الزمان الذي يستطيع به رئيس دولة في اي مكان في العالم من مسك العصا من منتصفها. أن يضع رجلا هنا ورجلا هناك. ان يكون مناحازا ولا منحازا في ذات الوقت. كان ذلك في زمن القطبية الثنائية. اما بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وانهيار المنظومة الاشتراكية ومعها حلفها - وارسو-، فقد اصبح المبدأ الذي يحكم العلاقات الدولية هو.. "اما ان تكون معي او انت ضدي" (المبدأ الذي اعلنه بوش الابن بعد احداث 11 سبتمبر 2001). نوري المالكي يمارس اللعبة السياسية بمفاهيم فترة الحرب الباردة وربما ما قبلها. كما هو حال اغلب رؤساء دول المنطقة. فهو يعتقد ان رِجلا يضعها في طهران واخرى في واشنطن توفر له حصانة كافية ان يتولى الوزارة الثالثة على التوالي. ربما اقتنع بما صرح به رفيقه سامي العسكري الى العراقيين حين ذكر.. "أن المالكي كاسب لرضى الطرفين ايران واميركا وهذا يصب في مصلحته". كان عليه ان يعرف ان الرفيق سامي ليس خبيرا في العلاقات الدولية ولا حتى مطلعا. الرجل ذهب الى واشنطن لبحث امكانية تفعيل معاهدة "الاطار الاستراتيجي" والحصول على اسلحة لمكافحة ما اسماه، "فايروس" الارهاب وللبحث في الازمة السورية. وكان يأمل ان يقنع الجانب الامريكي بذلك الا انه فوجئ وهم يقولون له ان الحل ليس في واشنطن انما في بغداد وبيده هو. كانت رسالة شيوخ الكونغرس الستة وحملها الى البيت الابيض المرشح الرئاسي السابق جون ماكين واضحة (أذا ما أستمر المالكي بتهميش الكرد والكثير من الشيعة ومعاملة السنة كإرهابيين فأن اي مساعدة امريكية مهما كان حجمها لن تتمكن من ايقاف العنف في العراق). كما طالبوه باستراتيجية واضحة قبل موافقة الكونغرس توقيع عقود التسليح. كان على المالكي قبل ذهابه الى واشنطن الاستماع الى نصائح قيادات الائتلاف الوطني العراقي والاخذ بالاعتبار الانتقادات التي توجه له من معارضيه في ائتلاف العراقية وغير العراقية. كان عليه ان يحسم توجهاته هل هو مع طهران ام مع واشنطن. هل يمتلك المالكي رؤية استراتيجية لطبيعة العلاقة بينه وبين واشنطن؟ (لا نشك انه يمتلك ذلك عن طبيعة علاقاته مع طهران!) ولهذا اشترطوا عليه قبل موافقتهم على تسليحه والتعاون معه وتفعيل معاهدة الاطار الاستراتيجي، استراتيجية واضحة في مكافحة الارهاب. معنى هذا ان عليه ان يغير سياساته التي اوصلت البلاد الى ما وصلت اليه اليوم. فالارهابيون من منظمات ومليشيات يتجولون في المدن والشوارع يفجرون ويغتالون ويُهَّجِرون ويختارون الى ذلك الاوقات التي تناسبهم ومعها الاماكن التي يفرضون فيها نشاطاتهم. قالوا له ما قاله من قبل الناصحون له والشامتون به ومئات المقالات والتحقيقات والتقارير والتحليلات السياسية التي تخرج بالمئات كل يوم في اجهزة الاعلام لكنه اعرض عنها ومر بها وكأنْ لم يسمعها. مقتدى الصدر ذكره بها قبل يومين وهو عائد من واشنطن في طريقه الى بغداد حين ذكر: "كم تمنيت أن أرى رئيس الحكومة نوري المالكي وهو ابا للشعب وواقفا بين يدي أبنائه في الأنبار والموصل وديالى أو في المناطق المعدمة في بغداد او المناطق التي يعصف بها الإرهاب...". هل وعى المالكي حجم الاخطاء التي وقع وأوقع البلاد بها؟ هل هذه الزيارة الواشنطنية تكفي كي يغير سياساته في ادارة البلاد وطبيعة العلاقة ما بينه وبين بقية القوى السياسية؟
|