هي خربانة يا دولة الرئيس

 

يريدون أن يقنعونا بأن زيارة السيد المالكي الى واشنطن كانت ناجحة. ولا أدري لماذا هذا الإصرار و(الكتاب يُقرأ من عنوانه) كما يقولون. لقد سبق وصول المالكي إلى واشنطن عاصفة من الانتقادات الحادة ظهرت على شكل مقالات ودراسات في أُمهات الصحف والمجلات الأمريكية مثل (نيويورك تايمز) و(واشنطن بوست) و(فورن بولسي)، وهي التي تعكس سياسات وتوجهات الدوائر المتنفذة في رسم السياسات الأمريكية وتوجهاتها. وقد وصل الحد ببعض هذه الانتقادات الى اتهام سياسات المالكي الداخلية بانها تهدد العراق بحرب أهلية داخلية وتفتيت نسيجه الاجتماعي وتشكيل دكتاتورية جديدة في العراق. وحتى المقال الذي تم نشره في (نيويورك تايمز) باسم (نوري كامل المالكي) لم ينجح في تبديد هذه التصورات عن سياساته وتقليل المخاوف منها، وإنما رافق وصول المالكي الى واشنطن عاصفة أخرى من الانتقادات الصريحة أو المبطنة على شكل نصائح ورغبات أمريكية وكما حصل في معهد السلام الأمريكي أو في حديث الرئيس الأمريكي أوباما في البيت الأبيض الأمريكي بحضور المالكي.
المالكي فشل في إقناع الأمريكان بأن أوضاع العراق على ما يرام وأنها سمنة على عسل، وأن كل ما يجري في العراق مؤامرة كونية على غرار المؤامرة الكونية التي يتعرض لها بشار الأسد وحزب البعث في سوريا وأن سياساته الداخلية نجحت في كسر شوكة الإرهاب وفرض الأمن والاستقرار وتحريك عجلة البناء والتنمية والاستقرار. وفشل أيضا في أن يقنعهم بأن يصبروا عليه لاربع سنوات أخرى. ولا ادري هل أن الذي وضع الخطوط العامة لهذه الزيارة ونشاطاتها وكلماتها كان ساذجا إلى هذه الدرجة أم إنه كان من الشطارة بحيث أراد أن يستغفل أو يضلل الأمريكان من جهة والعراقيين من جهة أخرى داخل العراق.
أعتقد أن هذه الخطوط العامة كانت ساذجة، وإلا كيف يمكن أن يغفل أو يستغفل عن دور السفارة الأمريكية في العراق. هذه السفارة ليست بقالية ولا بياعة خضرة أو بصل. هي أكبر سفارة أمريكية في كل الدنيا، وتعرف عن شؤون العراق وشجونه حتى أكثر مما يعرفه المالكي. وبكل تأكيد تصل تقاريرها اليومية، إن لم تكن بالساعات، عن كل ما يحدث ويجري في العراق إلى كل مراكز الفعل والتأثير والقرار الأمريكية، فهل يمكن الضحك على مثل هؤلاء أو تضليلهم أو نقل صورة مغايرة لهم عن أوضاع العراق الكارثية؟
أما العراقيون فلا أعتقد أيضا أنه يمكن تضليلهم أو الضحك عليهم بأن كل شيء في العراق سالم معافى وعلى ما يرام، ذلك إن أهل مكة أدرى بشعابها كما يقولون، وأصوات تفجيرات المفخخات والعبوات الناسفة تضرب أسماعهم في برامج شبه ثابتة، وأبرياؤهم الفقراء يُشيعون في قوافل موت يومية في تراجيديا مؤلمة لم يشهد لها العراق مثيلا من قبل.
العراقي المسكين الفقير المغلوب على أمره يختصر الحال بكلمة بسيطة بليغة واحدة تسمعها من كل مكان، فعندما يريد هذا العراقي المسكين ان يصف حال العراق وأوضاعه ولا يريد أن (يدوخ) رأسه بالحديث والنقاش أو الاستماع يقول لك (هي خربانه).
نعم (هي خربانة) يا دولة الرئيس ولن يصبر عليك العراقيون أيضا أربع سنوات أخرى .