الحجي والسيد

 

هل انفرط التحالف الوطني ولن يلمه شيء بعد الآن؟ انفرطت أحزابه كخرز مسبحة، ولن يلمها الخيط الشيعي، ولا المصالح التي كانت مشتركة، وأصبحت متباعدة الآن؟.

الحجي والسيد أعلنا ذلك من خلال خلافاتهما التي لن تنتهي حتّى بعد الانتخابات. حرب شعواء وضروس، ستنهيها صناديق الاقتراع، وسيكون أحدهما مخذولاً أمام الآخر. سيكون على أحد منهم ان يحني رأسه أمام الآخر. لن تكون المواجهة آنذاك بين حزبين، بل بين عشيرتين تتقاتلان للحصول على "جدول ماء".

الحجي (نوري المالكي) أزعجته انتقادات وخطابات السيد (مقتدى الصدر)، وكأنه في واشنطن، كان يفكّر بالشاب المعمم الذي لم يتركه طيلة العامين الماضيين بحاله، فهو يشحذ سيوف نوابه لاخراجها على الفضائيات من أجل تسقيطه، وفضح جميع نوابه والمقربين منه. ملّ هذا الرجل كل ما يقوله السيد في حواراته وتعليماته، فسارع، بعد عودته مباشرة إلى بغداد، إلى إصدار بيان شديد اللهجة، ليذكّر السيد بماضيه، بماضي الحرب الأهلية والميليشيا التي هزمها المالكي في البصرة إبان صولة الفرسان. لكن الحجي يبدو مغلوباً حتّى الآن، فالسيد ما يزال يحرّك بيادقه من النواب على شاشات الفضائيات، ويشهر الوثائق التي تدين الحجي وحكومته. السيد يحاول إقناع الجميع بأنه تخلّى عن نهجه القديم، وأنه يحترم القوانين والمدنية والحريات، وأنه صدّر "خدّاما" بدلاً من سياسيين إلى المناصب.

حتى الصراع الإعلامي بين السيد والحجي غير كفوء. الحجي ما يزال يستعين بإعلام رخيص غير مؤثر. وطريقته بتسقيط الآخرين فجة ومفضوحة، وكأنه إعلام توقّف عند عقد التسعينيات. بينما السيد، الذي أصبح مؤثراً بمجموعة إعلاميين لامعين، يستعين بإعلام برّاق، بمقدمي برامج وفضائيات تستطيع سوق "المظلومية" التي يتعرّض لها التيار الصدري و"العراق" إلى عقول الجميع.

لكن هل سيكون الحجي والسيد في ائتلاف واحد خلال الانتخابات النيابية بعد كل التشهير والخلافات ومعركة كسر العظم التي جرت بينهما؟

الأيام القادمة حبلى بالمفاجآت، فالتكتلات الطائفية ربما تعود مجدداً، وسيقف نواب التيار الصدري ونواب ائتلاف دولة القانون على منصة واحدة ليحثوا الشيعة على التصويت لهم، مقابل تصويت السنة لـ"متحدون" التي تبدو جاهزة تماماً لخوض الانتخابات بعد انحسار جمهور القائمة العراقية بقيادة علاوي، لصالحها، ولصالح احزاب أخرى.

سيحرّك الحجي الإعلام لكر صور الحرب الأهلية التي كان أحد طرفيها "جيش المهدي". وسيحرّك السيد وثائق ضد الحجي ونجله ونوابه. سنشهد الكثير من الشتائم بين الطرفين. سيقف السيد عمار الحكيم متفرجاً وسط هذا، أو سيستغله للمّ أصوات تضيع من الطرفين في أثناء اشتداد الخلاف بينهما.

لكن هذه الفوضى ماذا ستنتج؟

أحزابا إسلامية لا تختلف عن القديمة بشيء. فالحكومة التي شكلها المالكي بمباركة التيار الصدري وبإدارته عددا من وزاراتها المتورطة بالفساد، والحكومة التي سيشكلها التيار الصدري أو المجلس الأعلى أو ائتلاف دولة القانون سيكون لها الشكل نفسه. لا جديد بعد كل هذه المعركة الانتخابية. الجديد هو المزيد من الفساد، وسوء الخدمات والأمية والفقر.

هل أبدو يائساً؟ ربما، ولكن لننتظر.