لماذا يكره الطغاة السعادة ؟

 

 

 

 

 

 

منذ سنوات وأنا أواظب على الذهاب إلى شارع المتنبي ، في صباي كنت أحرص على قراءة الكتب التي تثير الأسى والحزن ، متجولاً في صفحات آلام فارتر لغوته ، وكنت سعيداً وأنا أكتشف ان المؤلف كتب الرواية بعد ان تحطم حبُّه ، فقرر ان يبحث عن بطل من الخيال يبث فيه أحزانه وشكواه .. ثم أخذت أنتظر ان تكتمل أجزاء بؤساء فكتور هيجو .. كنت واحداً من كثيرين يذهبون إلى الحياة بحثاً عن الأحزان، كنا حزانى بلا سبب، متشائمين، نقرأ الكتب التي ترشُّ الحزن علينا مثل المبيدات الحشرية. بعد سنوات تلقفت ديوان السياب وحفظت أشعاراً كثيرة منه عن ظهر قلب ، وكنت أردد في وجه كل من يسألني لماذا أنت حزين؟.. 
مَاذَا جنيْتُ منَ الزَّمَانِ سوى الكَآبةِ والنُّحولْ
وأرَاقِبُ اللَّيْلَ الطويلَ يذوبُ في الصُبْحِ الطويلْ
كنا نميل إلى الحزن فيما العالم حولنا يعيش سعادة وطمأنينة، بعدها تكفل نظام "القائد الضرورة" بتأسيس ثقافة الحزن عبر حروب مجنونة وزعت موتها على كل بيوت العراقيين.
الحزن والكآبة والتعوّد على طقوسهما، موضوع كتاب صدر قبل سنوات بعنوان "ضدّ السعادة"، حشد فيه مؤلفه إيريك جي. ويلسون جميع الشواهد التي ينبغي أن تردعنا عن الإحساس بأي معنى للتفاؤل، فالمؤلف يقول لك: "الحزن منبع الإبداع، ومصدر كثير من الفنون والشعر والموسيقى العظيمة. والمؤلف يبدو رجلاً كئيباً، حاول كل شيء: الهرولة الصباحية، اليوغا، أفلام المغامرات ، الاستعداد لأكل الوجبات السريعة، كل ذلك لم يجعل منه سعيداً، ليقرر بالتالي أن يعتنق الحزن ويفلسف له، ولم يتوقف عند هذا الحد، بل إنه يتساءل إن كان العالم سيكون في حال أفضل أم لا لو خلا من الكئيبين أمثاله.
تذكرت كتاب صاحبنا ، وأنا أقرأ هذه الأيام كتاب صدر حديثا عن سلسلة عالم المعرفة الكويتية بعنوان " السعادة " للكاتب الأمريكي نيكولاس وايت ، وفيه يحاول المؤلف ان يقول لنا ان السعادة نتاج لمجتمعات متطورة تحترم الإنسان وحقوقه ويستشهد المؤلف بمحاورة لإفلاطون وأستاذه سقراط في كتاب الجمهورية ، حيث يلقي المعلم الدرس المهم على تلميذه : أتعرف ما هي السعادة .. إنها خير آخر .. وحين يسأل أفلاطون عن الأرض التي تزدهر فيها السعادة يقول سقراط : تخضر السعادة وتزدهر في ارض تشيع العدالة الاجتماعية ، وأنا أقرأ هذه الجملة تساءلت :هل نحن مجتمع سعيد ، كيف .. ؟ وحولنا مظاهر الحزن التي يحاول سياسيونا إحياءها وتعميمها عبر ممارسات تعيد العراق إلى زمن العصور الوسطى ،فالموسيقى حرام لأنها تثير الغرائز، والغناء رجس من عمل الشيطان، والفرح مهنة أصحاب الدنيا ، ونحن نريد أن نؤسس لثقافة الحياة الآخرة، زينة المرأة غواية، الضحك طريق إلى جهنم!
سياسيون لانعرف ماذا يريدون! ويكون الجواب : ليس لديهم شيء، ليست لديهم إلا شهوة احتلال مؤسسات الدولة، ليدمروها ويجلسوا على أطلالها ، ثم نراهم من خلال الفضائيات مستمتعين بانتصاراتهم المزيفة ، يعتقدون ان الدول تبنى بالخطب والشعارات والأمنيات 
لا يعرفون القاعدة الذهبية التي قالها أحد أبطال رواية ديكنز الشهيرة : " الآمال العظيمة " من أن الحصول على السعادة يتأتى من تطور أدوات الحكم وقربها من هموم البسطاء .
أيها السادة مازال في العراقيين رمق حياة، يثورون، يغضبون، يرضون، ينخدعون ،لكنهم شعب يرفض الموت، يريد ثقافة الحياة، ثقافة الحياة هي التي قدمت الأوروبيين إلى العالم رسل علم وفكر وتقدم، الشعوب التي لا تفرح لا تستطيع العيش، والشعوب التي لا تسعد هي شعوب لا تبالي بمصائرها، ثقافة الحياة هي التي أنجبت الكرملي و الجواهري والشبيبي ومصطفى جواد وعفيفة إسكندر وحقي الشبلي والرصافي الكبير وفهد والزهاوي ونزيهة الدليمي وغيرهم عشرات فيما ثقافة الحزن لم تنجب لنا سوى عدنان الدليمي وطارق الهاشمي وعلي الشلاه وعباس البياتي وحنان الفتلاوي وغيرهم مئات من الجالسين على أنفاسنا .
أيها العراقيون افرحوا ولتذهب إلى الجحيم كل شعارات زعماء الطائفية ومعها وصايا مؤلف كتاب "ضد السعادة" وخطب الساسة البكائين والثماني سنوات التي خدعنا فيها المالكي، وهو يقطع قلوب مشاهديه في الفيلم الشهير " البحث عن واثق البطاط " .